وفيه دليل ـ أيضا ـ : أن هبة الديون والبراءة منها جائزة ؛ كما جازت هبة المرأة مهرها وهو دين.
وقيل : فيه وجه (١) آخر ، وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم ؛ فأمرهم ـ عزوجل ـ ألّا يأخذوا ذلك ، وحكم بأن المهر للمرأة دون وليها ، إلا أن تهبه لوليها ؛ فيحل حينئذ (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكُلُوهُ هَنِيئاً) : لا داء فيه ، و (مَرِيئاً) : لا إثم فيه.
وقيل : الهنىء : هو اللذيذ الشهي (٣) ، الذي يلذ عند تناوله ويسر.
والمرىء : الذي عاقبته.
ثم الحكمة في ذكر الهنىء والمرىء هنا وجهان :
أحدهما : ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها : يقول ـ عزوجل ـ : (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً ...) إلى قوله : (بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) [النساء : ٢٠ ـ ٢١] ؛ لئلا يمتنعوا (٤) عن قبول ذلك للوعيد الذي ذكر في الآيات.
والثاني : إن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل على حدوث المكروه ، ويورث الضغائن ؛ وذلك يسبب (٥) قطع الزوجية فيما بينهما.
وقيل : قوله ـ عزوجل ـ : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) ، يعنى : بطيبة أنفسكم (٦) : يقول : لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون ، ولكن آتوهن وأنفسكم بها طيبة ؛ إذ كان المهور لهن دونكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) ، أي : ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال.
__________________
ـ وهبن لكم ؛ إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة ، وبرجوعها يظهر عدم طيب نفسها ، وذلك بيّن.
(١) في ب : بوجه.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٥٥٣) (٨٥١٠) عن أبي صالح ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٢) وزاد نسبته لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وعبد بن حميد عن أبي صالح.
(٣) ذكره بنحوه السيوطي في الدر (٢ / ٢١٣) وعزاه لابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد بن حميد عن على ابن أبي طالب.
(٤) في ب : يمنعوا.
(٥) في ب : سبب.
(٦) ذكره بنحوه ابن عادل في اللباب (٦ / ١٧١ ـ ١٧٢) والرازي في تفسيره (٩ / ١٤٧).