الموالي جعلنا ؛ على إضمار «نصيب» أو «حق» فيما ترك الولدان والأقربون ؛ فيكون تأويله قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ) [النساء : ٧] فيكونون هم مواليه بحق الميراث على تأويل أنهم أولى بما تركوا ، وعلى مثله قوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) [الإسراء : ٣٣] ووليه من يلحقه في ملكه ؛ يفسره قوله ـ تعالى ـ : (يُوصِيكُمُ اللهُ) [النساء : ١١] وجميع آيات المواريث ، إلا أنه لم يذكر للوالدين في هذه الجملة ولا للزوجين ، ولا يدخلون في اسم القرابة ، ولا في اسم الأولاد وقد جاء بالإيجاب لهم الكتاب وأجمعت عليه الأمة على غير دعوى النسخ فيه من أحد ؛ ليعلم أن التخصيص بالذكر فالحق لا يقطع حق غير ، لكنه يكون الأمر موقوفا على وجود دليله ، والله أعلم.
على أن في الإيجاب للأقربين وللموالى كفاية عن ذكر من ذكر ؛ إذ بهم تكون كل القرابة ، وبالتناكح يكون النسل ، وهو المجعول لذلك ، وكذلك لا يسقط حق هؤلاء بحال ولا يحجبون عن الكل بأحد ، وقد جرى ذكر حقهم فيما نسخته هذه الآية من الوصية ، والله أعلم.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [من] يرجع الموالى إلى الذين ورثوه من تركة الأبوين والأقربين يجيز أن قد تجري المواريث فيما قد ورث نحو ما تجري فيما لم يكن ورث مرة ؛ فرجع ذا إلى غير أولاد الأول وأقرباء الأول ، أو أن يكون المقصود فيما ترك الوالدان والأقربون بما ذكر في أيهم نصيبا مفروضا أن يكون هذا فيما ترك الوالدان والأقربون مع أصحاب الفرائض ؛ فتكون هذه الآية في بيان حق العصبات ؛ إذ لم يذكر لهم دون أن يكون معهم أصحاب الفرائض يرثون بحق السهام ، لا بحق الفضول ؛ فتكون عمل الآيات في المواريث ثلاث :
أحدها (١) : في أصحاب الفرائض ، وهو قوله ـ عزوجل ـ : (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) [النساء : ٧].
والثاني : حق في العصبات ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ...) الآية.
والثالث : في حق ذوي الأرحام ، وهو قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ...)
__________________
ـ المولى ؛ ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] ويسمى ابن العم مولى ، والجار مولى. فأما قوله ـ تعالى ـ : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) [النساء : ٣٣] يريد : عصبة ؛ لقوله ـ عليهالسلام ـ : «ما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر».
(١) في ب : إحداها.