الآية [الأنفال : ٧٥] ، ثم ألحق بهؤلاء في حجاب الأبعدين ـ أهل العقد بقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) وإنما ذكر ذلك فيما يترك الميت ، ولا وجه للعون والرفد منه أو النصر ، مع ما ذكر نصيبهم في التركة ، كما ذكر لأصحاب الفرائض ، وعلى ذلك المرفوع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فيمن أسلم على يدي آخر أنه أحق الناس محياه ومماته ، وكذلك روي [عن](١) عمر وعلي وعبد الله مع ما كانت المواريث بهذا من قبل ، فنسخ بقوله ـ تعالى ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥] فإذا ارتفع ذلك ذهب التناسخ فوجب لهم ؛ إذ بيت المال يرث بولاية الإيمان جملة ، ولهذا تلك الولاية وولاية أخرى ؛ فهو أحق ، والله أعلم. ويخلف هؤلاء من له رحم كما خلف ولاء العتاقة بما تقدم من النعمة بالإعتاق ـ حق العصبة من ذي النسب بقوله ـ عليهالسلام ـ : «الولاء لحمة كلحمة النسب».
قوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ).
قيل : هو من الأيمان كان حلف في الجاهلية يقول الرجل لآخر : ترثنى وأرثك ، وتعقل عني وأعقل عنك ، وتنصرني وأنصرك. ويتحالفان على ذلك (٢).
وقد قرئ بالألف «عاقدت» فهو من المحالفة.
ثم روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا حلف في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهليّة لم يزده الإسلام (٣) إلّا شدّة» (٤)
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٢٧٦) (٩٢٧٢) عن عكرمة ، وبنحوه عن قتادة برقم (٩٢٦٩ ـ ٩٢٧١) ، وعن الضحاك برقم (٩٢٧٣) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٦٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد وعبد الرزاق.
(٣) في ب : الإيمان.
(٤) رواه البخاري (١٢ / ١٢٧) كتاب الأدب : باب الإخاء والحلف (١٠٨٣) ، ومسلم (٤ / ١٩٦١) كتاب فضائل الصحابة : باب مؤاخاة النبي صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه رضي الله عنهم (٢٠٦ / ٢٥٣٠) ، قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ١٢٦) : قال ابن الأثير : الحلف في الأصل : المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق ، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلىاللهعليهوسلم : لا حلف في الإسلام. وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه ، فذلك الذي قال فيه صلىاللهعليهوسلم : وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ، يريد من المعاقدة على الخير ، ونصرة الحق ، وبذلك يجتمع الحديثان ، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام ، والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام. انتهى.
قال الحافظ ابن كثير : كان هذا ، أي التوارث بالحلف ، في ابتداء الإسلام. ثم نسخ بعد ذلك ، وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا ، ولا ينشئوا بعد هذه الآية معاقدة.