بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) أخبر أنه فضل بعضهم على بعض ، وذلك التفضيل تفضيل خلقة (١) ، وهو أن جعل الرجال من أهل المكاسب والتجارات ، والقيام بأنواع الحرف ، والتقلب في البلدان والمدائن ، والنساء ليس كذلك ؛ بل جعلهن ضعفاء عاجزات عن القيام بالمكاسب والحرف والتقلب في حاجاتهن ؛ فالرجال هم القوامون عليهنّ. والون أمورهن ، وقاضون حوائجهن ، قائمون (٢) على ذلك ، ففرض على الرجال القيام بمصالحهن كما ذكرنا مع ما فرض ذلك على الرجال ، يجوز إذا ولين بأنفسهن وقمن بحوائجهن من البياعات ، والأشرية ، وغير ذلك ؛ فعلى ذلك النكاح ، وإن كان الرجال هم القوّام عليهن ، فإنهن إذا ولين ذلك بأنفسهن وقمن ـ جاز ذلك كما جاز غيره ، وكذا (٣) ما أمر الأولياء بالتزويج في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ...) الآية [النور : ٣٢] ، ونهاهم عن العضل عن النكاح بقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ ...) الآية [البقرة : ٢٣٢] ؛ لأن ذلك حق عليهم أن يفعلوا حتى يلين ذلك بأنفسهن ؛ إذ لا بد من حضور مشهد الرجال ومجلسهم ليشهدوا على ذلك ، فذلك على الأولياء القيام به.
وكهذا (٤) ما جعل نفقتهن إذا لم يكن لهن مال على محارمهن ؛ لأنهن لا يقمن بالمكاسب وأنواع الحرف والتجارات ، والرجال يقومون ، فجعل مئونتهن عليهم ؛ لضعفهن وعجزهن عن القيام بالمكاسب خلقة ؛ ولهذا ما لم يجعل للذكور من المحارم بعضهم
__________________
ـ سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وشريح ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وإليه ذهب ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق.
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذى الرأي من أهلها ، أو السلطان.
وروي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال : كانت عائشة تخطب إليها المرأة من أهلها ؛ فتشهد ، فإذا بقيت عقدة النكاح ، قالت لبعض أهلها : زوّج ؛ فإن المرأة لا تلى عقد النكاح.
وقد أجاز بعضهم للمرأة تزويج نفسها ، وهو قول أصحاب الرأي ، وقال أبو ثور : إن زوجت نفسها بإذن الولي ـ صح النكاح ، وإن تزوجت بغير إذنه ـ لا يصح ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها» ، ومعناه عند العامة : أن يلي الولي العقد عليها ، أو يأذن لها في توكيل من يلي العقد عليها من الرجال ، فإن وكلت دون إذن الولي ؛ فباطل.
وقال مالك : إن كانت المرأة دنيئة ـ فلها أن تزوج نفسها ، أو تأمر من يزوجها ، وإن كانت شريفة ـ فلا. ولفظ الحديث عام في سلب الولاية عنهن من غير تخصيص ينظر شرح السنة (٥ / ٣٤ ـ ٣٥).
(١) في أ : خلقته.
(٢) في ب : قائلين.
(٣) في ب : ولهذا.
(٤) في ب : ولهذا.