وحافظات هو تفسير صالحات (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِما حَفِظَ اللهُ)
اختلف في تلاوته وتأويله ؛ في حرف بعضهم بالنصب (بِما حَفِظَ اللهُ) وتأويله : بحفظ الله ، لكنه نصب لسقوط حرف الخفض ، ومن رفعه جعل تأويله : بما استحفظهن الله تعالى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ).
قال بعض أهل الأدب : سمي العلم خوفا ؛ لأنه اضطر في العلم.
وقال آخر ـ وهو الفراء (٢) ـ : الخائف : الظان ؛ لأنه يرجو ويخاف.
وأما الأصل في أنه سمي العلم خوفا ؛ لغلبة شدة الخوف ؛ فيعمل عمل العلم بالشيء على غير حقيقته ؛ لأنه يعرف بالاجتهاد ، وبأكثر الرأي والظن ، وهكذا كل ما كان سبيل معرفته الاجتهاد ـ فإن غالب الظن وأكبر الرأي يعمل عمل اليقين في الحكم وإن لم يكن هنالك حقيقة ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) [الممتحنة : ١٠] وألزمنا العمل بظاهر علمنا وإن لم نصل إلى حقيقة إيمانهن ؛ فعلى ذلك إذا علم منها النشوز علم أكثر الظن وأغلبه يعمل عمل الذي ذكر في الآية من العظة وغيرها ؛ لأن قوله ـ تعالى ـ : (تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) ليس على وجود النشوز منها للحال حقيقة ؛ ولكن على غالب الظن ؛ لأنها إذا كانت ناشزة كيف يعظها؟ وكيف يهجرها ويضربها؟ فدل أنه على غالب العلم ؛ أولا ترى أنه من أكره على أن ينطق بكلام (٣) الكفر بقتل أو ضرب يخاف منه التلف ـ كان في حل وسعة أن ينطق به بعد أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان ، وذلك إنما يعلم علم غالب الظن ، وأكبر الرأي لا يعلم علم حقيقة ، ثم أبيح له أن يعمل عمل حقيقة العلم ؛ فكذلك الأول ـ والله أعلم ـ نهى الله ـ عزوجل ـ المرأة عن عصيان زوجها ، وأمرها بطاعته في نفسها ، كما أمره أن يحسن عشرتها ، وهذا هو ـ والله أعلم ـ هو الحق الذي ذكره الله ـ تعالى ـ في سورة البقرة مجملا بقوله ـ تعالى ـ : (وَلَهُنَ
__________________
(١) ينظر تفسير ابن جرير (٨ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧).
(٢) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ، النحوي الكوفي أبو زكريا الشهير بالفراء.
روى عن قيس بن الربيع والكسائي. وروى عنه مسلمة بن عاصم والسمرى وغيرهما.
قال ثعلب : لو لا الفراء لما كانت العربية.
وتوفي سنة ٢٠٧ ه ، وله ٦٣ سنة.
تنظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء (١٠ / ١١٨) رقم (١٢) ، تاريخ بغداد (١٤ / ١٤٦) ، تذكرة الحفاظ (١ / ٣٧٢).
(٣) في أ : بكلمة.