فرقتما ، قالت المرأة : رضيت بكتاب الله ، قال الرجل : أما الفرقة فلا ؛ فقال على ـ رضي الله عنه ـ : كذبت ، والله لا تنفلت منى حتى تقر كما أقرت (١).
أخبر على أن فرقة الحكمين إنما تجب برضا الزوجين ، فلو كانت فرقتهما تجوز بغير رضا الزوجين ـ لم ينظر إلى سخط الزوج في الفرقة ، ولقال علي ـ رضي الله عنه ـ للحكمين : فرقا إن رأيتما ذلك ، كره الزوج أو رضي.
وفي قوله ـ أيضا ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) أي : علمتم ؛ إذ حق ذلك أن يجتهد (٢) في الحال بينهما فيعلم على الغالب ، وللغالب حق العلم في الأعمال ، وحق الريب في الشهادة ، فذكر باسم الخوف على ما فيه من علم العمل ، على أن في ظاهر الآية التفرق في المنزل حتى (٣) يبعث عن أهل كل واحد منهما ولو كانا في منزل واحد ، فحقه أن يجمع بين الحكمين ، [لا](٤) أن يبعثا بذلك ؛ يدل على ظهور الخلاف والشقاق ، والله أعلم.
قال : وأمر الحكمين بالإصلاح بين الزوجين ، وهو الأمر الذي أمر بين جميع المؤمنين من قوله : (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال : ١] وقوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) [البقرة : ٢٢٤] الآية ، وقوله : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ) الآية ، وذلك في حق التأليف وما به تمام الأخوة بقوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات : ١٠] لا بما يضر به أهله ، ويوجب التفريق بينهم والتباغض ، وعلى ذلك أمر الحكمين في النكاح ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما)
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) : هما الحكمان (٥).
وعن مجاهد مثله.
وقال آخرون : قوله : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) : هما الزوجان (٦).
وفي الآية دليل على أنه ليس للحكمين أن يفرقا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال : (إِنْ يُرِيدا
__________________
(١) تقدم.
(٢) في ب : يجهد.
(٣) في ب : حيث.
(٤) سقط من ب.
(٥) أخرجه ابن جرير (٨ / ٣٣٢) (٩٤٣٢) عن ابن عباس ، و (٩٤٣٠ ، ٩٤٣٥) عن مجاهد ، و (٩٤٣١ ، ٩٤٣٤) عن سعيد بن جبير ، و (٩٤٣٣) عن السدي.
(٦) أخرجه ابن جرير (٨ / ٣٣٣) (٩٤٣٦) عن الضحاك ، وذكره السيوطي (٢ / ٢٨٠) وعزاه لابن جرير عن الضحاك.