إِصْلاحاً) وليس فيها دليل أن فرقتهما جائزة بشيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة : ٢٢٩]
يدل على أن الخلع إليهما دون الحكمين ، وكأن الحكمين يوجّهان ؛ ليعرف (١) من الظالم من الزوجين؟ يستظهر بهما على الظالم ؛ لأن كل واحد منهما [إذا شكى](٢) بين الناس من صاحبه ـ لا يعرف الظالم منهما من غير الظالم ، فإن كان الزوج هو الظالم أخذ على يده ، وقيل : لا يحل لك أن تفعل هذا لتختلع منك ، وأمر بالإنفاق عليها ، وإن كانت هي الظالمة وكانت في غير منزله ناشزة ـ لم (٣) يؤمر بالإنفاق عليها ، وقيل له : قد حلت الفدية ، وكان في أخذها معذورا بما ظهر للحكمين من نشوز المرأة ، والله الموفق.
وفي قوله ـ أيضا ـ : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً) لا يخلو من أمرين : إما أن يريد به الزوجين ، أو الحكمين.
ثم الإصلاح يكون مرة بالجمع ، ومرة بالتفريق ؛ فعلى الجمع تأويل التوفيق : الجمع بينهما ، وعلى إرادة التفريق تأويله : التوفيق للإصلاح ، وعلى التوفيق للإصلاح يدخل فيه الأمران ، وفي ذلك أن الفرقة والاجتماع إليهما ؛ إذ عليهما إرادة الإصلاح ، وانصرف معنى الآية إلى الزوجين ، وأيّد ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً ...) [١٢٨] إلى قوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ...) الآية [النساء : ١٢٩].
ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ....) الآية [النساء : ١٣٠].
فعلى ما ظهر منه النشوز صرف أمر التفرق إلى الزوجين ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ ...) إلى قوله ـ تعالى ـ : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة : ٢٢٩] فأشركهما في الابتداء الذي به الفراق ، أو يريد به الحكمين ؛ فيكون ذلك على الترغيب في طلب الإصلاح (٤) بينهما ، وعلى إيثار العدل والصواب ؛ كقوله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا ...) [النساء : ٥٨] وقوله ـ تعالى ـ : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ...) الآية [النساء : ١٣٥] ، فإذا أرادا الإصلاح يوفق الله بينهما ، له
__________________
(١) في ب : ليفرق.
(٢) في أ : ذا شكاية.
(٣) في ب : ولم.
(٤) في ب : الأصلح.