في البدن.
على أن الآية فيما أمر بالإحسان إلى جميع من ذكر (١) قد يصير ذلك حقّا يلزم بحال ، فمثله حق الجوار ، وذلك لا يعرف غير حق الشفعة ، وقد جاءت به الآثار ، وتوارث المسلمون في ذلك الطلب والاحتيال في الصرف والمنع ؛ فبان أن الحق به ظاهر لا يحتمل الخفاء ، مع ما لا يشك من القوام عن ذلك إلا وعنده حظ من العلم فيه لا يوجد مثله بشيء من الحقوق في غير أملاك المحقين ، هذا البيان والظهور ثبت أن أمره (٢) كان معروفا في الأمة (٣) حتى جرى به التوارث.
ثم هذا النوع من العلم لا يحتمل انتشاره ونيله بالرأي ؛ فصار كسنة ظاهرة ، لها حق التواتر مع ما يستغنى عن روايته ، والله أعلم.
ثم [اعلم أن](٤) الناس على اختلافهم متفقون على وجوب حق الشفعة بحق الشرك فيما يحتمل القسمة ، وأما (٥) أن يجب بحق القسمة ، فيجب ذلك في كل محتمل القسمة ، وذلك مما يأباه الجميع ، أو يجب بما جعل من حق الجوار الذي جاء به الكتاب ، وجرت به السنة ، أو بما جعل من تأذي بعض الجيران ببعض ، والأمر بالمعروف في الخلق من الاستخبار عن أحوال الجيران قبل تأمل الدور وتفاوت القيم باختلاف الجيران بما في ذلك من المؤن والمضارّ ، وأي هذين كان فالشفعة واجبة بالجوار ؛ لأنهما أمران لا يسلم عنهما على ثبات الجوار ؛ فيجب به الشفعة مع ما أمكن الجمع بين الآثار بما لا يحتمل تسمية الشريك جارا من حيث الشرك لوجهين :
أحدهما : قوله ـ تعالى ـ : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) [الرعد : ٤] لم يجعل الأرض من حيث الأرض متجاورة حتى أثبت لها القطع ؛ فأوجب بالقطع التجاور مع ما كان الجوار في اللغة اسما للتقارب والالتصاق ، لا لتداخل معروف ، ذلك عند من تأبى نفسه مكابرة المعارف.
والوجه الآخر : ما لا يسمّي الشركاء في عين العرصات (٦) جيرانا ، ثبت أن ذلك ليس من
__________________
(١) في أ : ذلك.
(٢) في ب : أمر.
(٣) في أ : الآية.
(٤) سقط من ب.
(٥) في ب : فأما.
(٦) العرصات : جمع عرصة ، وهي مساحة فارغة لا بناء فيها بين الدور.
ينظر : النظم المستعذب (٢ / ٣٥٦).