وقيل : قوله : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)(١) نهي عن الصلاة في حال السكر ؛ روي أن رجلا صنع طعاما فدعا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّا ، وسعد بن أبي وقاص ، فأكلوا ، وسقاهم خمرا ، وذلك قبل أن تحرم ؛ فحضرت صلاة المغرب ، فأمهم رجل منهم فقرأ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [الكافرون : ١] بطرح اللاءات ؛ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)(٢).
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يصلّينّ أحدكم وهو لا يعقل صلاته» (٣).
وفي الآية دلالة : أن في الصلاة قولا فرضا ، نهي عن قربانها في حال السكر ؛ مخافة تركه ، أو نهي عن قربانها في حال السكر ؛ خوفا أن يدخل فيها قولا ليس منها ؛ وفي ذلك دليل فساد الصلاة بالكلام عمدا كان أو خطأ ؛ لأن السكران لا يفعل ذلك على العمد ، ولكن على الخطأ ، والأصل في هذا : أنه لم ينهه عن فعل الصلاة في حال السكر لنفس الصلاة ، ولكن فيه نهي عن السكر ، وكذلك (٤) قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا صلاة للعبد الآبق ، ولا للمرأة النّاشزة» (٥) ليس النهي فيه عن الصلاة ، ولكن النهي (٦) عن الإباق والنشوز نفسه ، وهكذا كل عبادة (٧) نهي عنها بأسباب تتقدم ، فالنهي إنما يكون عن تلك الأسباب ، لا عن العبادة (٨) التي أمر بها ؛ لأن الإباق والنشوز والسكر ليسوا بالذي يعملون في إسقاط ذلك الفرض وتلك العبادة.
وفي الآية دلالة أن السكران مخاطب بقوله : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) نهي
__________________
(١) قال القرطبي (٥ / ١٣١) : والجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر : سكر الخمر ؛ إلا الضحاك فإنه قال : المراد : سكر النوم ؛ لقوله ـ عليهالسلام ـ : «إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإنه لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه» ، وقال عبيدة السلماني : «وأنتم سكارى» يعني إذا كنت حاقنا ؛ لقوله ـ عليهالسلام ـ : «لا يصلين أحدكم وهو حاقن» في رواية «وهو ضام بين فخذيه».
(٢) قال عكرمة ، أخرجه عنه ابن المنذر كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٤).
(٣) أخرجه أحمد (٣ / ١٤٢ ، ١٥٠) ، والبخاري (٢ / ٤٢٢) : كتاب الوضوء : باب الوضوء من النوم ، (٢١٣) من حديث أنس بن مالك ، مرفوعا : «إذا نعس أحدكم في الصلاة ـ فلينم حتى يعلم ما يقرأ».
(٤) في أ : وذلك.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (١١ / ٢٤٧) (٢٠٤٤٩) باب : الآبق من سيده ، والبغوي في شرح السنة (٢ / ٤٠٢) كتاب الصلاة : باب فيمن أم قوما وهم له كارهون ، بلفظ : «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام قوم وهم له كارهون».
(٦) في أ : نهي.
(٧) في أ : عادة.
(٨) في أ : العبادات.