عن قربان الصلاة في حال السكر ، فالنهي إنما وقع في حال السكر ، فإذا كان مخاطبا عمل طلاقه ونفذت عقوده ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] فلو لم يكن عليهم ذكر في حال السكر لم يكن ليصدهم عن ذكر الله معنى ولا ذكر عليهم ، دل أنه مخاطب ، ولهذا ما قال أبو يوسف ـ رحمهالله ـ : إنه إذا ارتد عن الإسلام يكون ارتداده ارتدادا (١) ؛ [و](٢) لما نفذ طلاقه وسائر عقوده وفسوخه ، فعلى ذلك الارتداد.
وعلى قول أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ لا يصير مرتدّا ؛ استحسانا ، ليس كسائر العقود والفسوخ ؛ لأن سائر العقود يتعلق جوازها باللسان ، وإن كان رضا القلب شرطا (٣) فيها ، وأما الإيمان والكفر فإنما يكون بالقلب ، وإن كانت (٤) العبادة باللسان تكون شرطا فيما بين الخلق ، فإذا كان كذلك فإذا سكر يذهب السكر القلب ؛ فجعل كأنه لم ينطق (٥) به ، وإما كان سائر العقود تعلقها باللسان ، فإذا نطق به جاز ، والله أعلم.
[ثم](٦) اختلف في قوله ـ تعالى ـ : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ ...)
منهم من حمل على مكان الصلاة ؛ إذ الصلاة فعل ، والفعل لا يقرب.
ومنهم من حمل على الفعل ؛ أي : لا تصلوا (٧).
وأي الوجهين أريد به فالآخر داخل فيه ؛ لأنه إذا نهي عن حضور مكانها لحرمته فهي أعلى في الحرمة ، وأحق في المنع ؛ وأيد ذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) والعلم بالقول يحتاج إليه في حق الفعل ؛ لئلا يترك المفروض من الذكر فيفسد ، أو يدخل المحرم فيه فيفسد ، وفي ذلك دلالة أحد الوجهين ، وفي حق العموم الوجهان جميعا ، وهو على الخطأ يقول ؛ فثبت أن الخطأ من القول في الصلاة مفسدا ؛ إذ لو كان لا يفسد لم يكن سوى النهي ، وفي التأخير نهي أيضا ، والله أعلم.
ولو أريد به الصلاة فإنما المكان لأجلها ، فلا وجه للحضور دون إمكان الفعل للفعل ،
__________________
(١) ينظر المبسوط (١٠ / ١٢٣) ، وبدائع الصنائع (٧ / ١٣٤) ، حاشية الدسوقي (٤ / ٣٥٩) ، المهذب للشيرازي (٢ / ٢٢١) ، المغني لابن قدامة (٨ / ١٤٧) ، الإنصاف (١٠ / ٣٣١).
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : مشروطا.
(٤) في ب : كان.
(٥) في ب : ينفق.
(٦) سقط من ب.
(٧) أخرجه بنحوه ابن جرير (٨ / ٣٧٧) (٩٥٢٩) (٩٥٣٠) عن مجاهد بن جبر ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٩٤) وزاد نسبته لعبد بن حميد.