ليعمل بها في طلب مرضاة ربه ـ تعالى ـ وكذلك من كفر بعد الإسلام يتمنى سلامة جوارحه ؛ ليستعملها (١) فيما اختار من الدين ، فإذا كان كذلك لحقت النفس حيث كانت في طاعتها ومعصيتها.
وقالت فرقة من الملحدة : إن الثواب في الآخرة لا يكون لهذه (٢) النفس التي تأكل ، وتشرب ، وتعمل كل ما تعمل ، ولكن إنما يكون للروحاني الذي جوهرها جوهر النور ، لكن هذه النفس ممتحنة في الدنيا بالأكل والشرب (٣) ، مشوبة بالآفات والعيوب ، فإذا صفت عن الآفات ، ونزهت عن العيوب التي بها امتحنت ـ صارت أهلا للثواب العظيم ، ومحلا للجزاء الجزيل ، وبالله العصمة والنجاة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ)
أما ذوق الطعام والشراب يكون بالفم ؛ ليعرف طعمه ولذته ، وأما ذوق العذاب فإنما يكون بكل جارحة منه ؛ ليجد ألم ذلك في جميع الجوارح ، والله أعلم.
[و] الذوق في العرف جعل ليعرف الطعم ، يلقب به كل شيء يعرف ؛ يقال : لفلان ذوق في أمر كذا : أي بصر ومعرفة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً)
قيل : العزيز : هو ما يتعزز وجوده في الشاهد.
وقيل : هو عزيز لا يعجز ، فهو عزيز لما لا يوجد في الأفهام ، ولا يدرك بالأوهام.
وقيل : العزيز : المنتقم (٤) ، وقد ذكرناه (٥) في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من الآفات والعيوب ، لسن كأزواج الدنيا ونسائها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً)
لا تنسخه الشمس ، ولا أذى فيه ؛ لأن الشمس فيها منافع للناس وأذى ، وكذلك القمر فيه أذى ، وإن كان فيه منافع ، والظلمة كذلك فيها منافع وأذى ، وأما الظل نفسه فليس فيه أذى على كل حال ، فإن كان فهو للزمان ، لا للظل بنفسه ، فأخبر ـ عزوجل ـ أنه يدخلهم الظل الذي ليس فيه أذى الشمس ، ولا أذى الظلمة ، ولا أذى الزمان ، ليس كظل الدنيا
__________________
(١) في ب : يستعملها.
(٢) في ب : لهذا.
(٣) في ب : الأشرب.
(٤) انظر : ابن جرير (٨ / ٤٨٨).
(٥) في أ : ذكر.