ثم اختلف في أولى الأمر (١) :
قيل هم الأمراء (٢) على السرايا (٣).
وقيل : هم العلماء والفقهاء (٤).
وقيل : هم أهل الخير (٥).
ويحتمل : أولى الأمر : الذين يولّون السرايا.
فكيفما ما كان ومن كان ، ففيه الدلالة ألا يولى إلا من له العلم والبصر في ذلك ، أمراء السرايا كانوا أو غيرهم ؛ لأنه ـ عزوجل ـ أمر بطاعتهم ، ولا يؤمر بطاعة أحد إلا بعلم وبصر يكون له في ذلك.
والآية التي تقدمت ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) يدل على أن أولي الأمر الأمراء ؛ لأنه ـ تعالى ـ أمر الحكام في الآية الأولى بالعدل ، وأمر الرعية بالسمع لهم والطاعة فيما يحكمون ويأمرون ، والله أعلم. ألا ترى أنه روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يا أيّها النّاس ، اسمعوا وأطيعوا ، وإن أمّر عليكم حبشىّ مجدّع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله» (٦).
__________________
(١) انظر : تفسير الطبري (٨ / ٤٩٥) ، قال القاسمي (٥ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨) : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمهالله تعالى ـ في كتابه : «الحسبة في الإسلام» : وقد أمر الله ـ تعالى ـ في كتابه بطاعته ، وطاعة رسوله ، وطاعة أولي الأمر من المؤمنين ، وأولو الأمر : أصحاب الأمر وذووه وهم الذين يأمرون الناس ، وذلك يشترط فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام ، فلهذا كان أولو الأمر صنفين : العلماء والأمراء ، فإذا صلحوا صلح الناس ، وإذا فسدوا فسد الناس ، كما قال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ : «للأحمسية لما سألته : ما بقاؤنا على هذا الأمر؟» قال : ما استقامت لكم أئمتكم ، ويدخل فيهم الملوك ، والمشايخ ، وأهل الديوان ، وكل من كان متبوعا فإنه من أولي الأمر ، وعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به ، وينهى عما نهى عنه ، وعلى كل واحد ممن له عليه طاعة أن يطيعه في طاعة الله ، ولا يطيعه في معصية الله.
(٢) في ب : أمراء.
(٣) أخرجه ابن جرير بنحوه عن ميمون بن مهران (٨ / ٤٩٨) (٩٨٥٩) ، و (٨ / ٤٩٧) (٩٨٥٦) عن أبي هريرة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣١٥) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة.
(٤) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٠٠ ـ ٥٠١) (٩٨٦٩ ، ٩٨٧٠) عن عطاء بن السائب ، و (٩٨٧١) عن الحسن البصري ، و (٩٨٧٢) عن مجاهد بن جبر ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣١٥) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء ، ولسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٥) أخرجه ابن جرير (٨ / ٤٩٩ ـ ٥٠٠) (٩٨٦٢) عن جابر بن عبد الله ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣١٥) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادره وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله.
(٦) أخرجه البخاري (١٣ / ١٣٠) كتاب الأحكام : باب السمع والطاعة للإمام (٧١٤٢) ، ومسلم (٣ / ـ