واستدل قوم بهذه الآية على إبطال الاجتهاد ، وترك القول إلا بما يوجد في كتاب الله ـ تعالى ـ أو في [سنة رسوله صلىاللهعليهوسلم](١) نصّا ، ويقولون : فنكل أمره إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ ورسوله ـ عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ـ وليس ذلك عندنا.
والآية تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يحمل تأويلها على أن التنازع إذا كان في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجب أن يرد إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويسأل عن ذلك ، ولا يستعمل في الحادثة الاجتهاد ولا النظر.
فأمّا ما كان من التنازع بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فإن حكم الحادثة يطلب في كتاب الله ، أو في سنة [رسول الله](٢) صلىاللهعليهوسلم أو في إجماع المسلمين ، فإن وجد الحكم في أحدهم بينا وإلا قيل بالاجتهاد.
والوجه الثاني : أن يكون المجتهد إذا ما اجتهد فيه إلى كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم فيقول : وجدت في الكتاب أو في السنة كذا وكذا ، وهذه الحادثة تشبه هذا الحكم ، فحكمها حكمه ، ويكون رادّا لحكم الحادثة إلى كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم أو شبهها بما وجده من الحكم فيهما.
وإذا كان ما وصفنا من تأويل الآية محتملا ؛ فلا حجة لهم علينا في ذلك ، والله المستعان.
وفي الآية دلالة جعل الإجماع حجة (٣) ، وهو قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ...) [الآية](٤) ، أنه إنما أمر بالرد إلى الله والرسول صلىاللهعليهوسلم عند التنازع ؛ لم يأمر عند الإجماع ؛ دل أنه إذا كان ثمّ إجماع لا تنازع فيه ، لم يجب الرد إلى ما أودع في الكتاب وفي السنة.
وفي الآية دلالة أنه يدرك بالطلب المودع فيه ؛ لأنه لو لم يدرك ، أو ليس ذلك فيه ، لم
__________________
(١) في ب : سنته.
(٢) في ب : رسوله.
(٣) ينظر استدلال علماء الأصول بهذه الآية في : البرهان لإمام الحرمين (١ / ٦٧٠) ، البحر المحيط للزركشي (٤ / ٤٣٥) ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (١ / ١٧٩) ، سلاسل الذهب للزركشي ص ٣٣٧ ، التمهيد للإسنوي ص ٤٥١ ، نهاية السول له (٣ / ٢٣٧) ، زوائد الأصول ص ٣٦٢ ، منهاج العقول للبدخشي (٢ / ٣٣٧) ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ص ٢٠٩ ، التحصيل من المحصول للأرموي (٢ / ٣٧).
(٤) سقط من ب.