التي تجري بها البلية والعمل بها في العامة ، مما لا يحتمل خفاء مثله ، على ما ذكرت من الخاص أن ذلك كان عند أولئك الخاص على ذلك ؛ إذا لم يغيروا ولا شهدوا في ذلك بغيره ، وأمراء السرايا لو كانوا أهل البصر في الأمر مع العلم بالشرع والفتيا يلزم فيهم ذلك ؛ لأنهم صيروا في الباب أهل الأمر.
وأيد الأول أنهم العلماء ـ : قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ومعلوم أن على العوام لذي الإشكال والحاجة الردّ إلى أولى الأمر بما ذكرت من الآية ، فثبت أن هذا في تنازع العلماء ، وهو يوضح إبطال قول الروافض في جعل أولي الأمر إمامهم ، وإبطال قول من يجعل أولي الأمر كل أمير أو نحوه ، وإنما هم العلماء في كل نوع ، حتى يمكن (١) فيهم التنازع ، وإمامهم واحد لا معنى للتنازع فيهم ، والتنازع إنما يكون عن تدبر وبحث ونظر ، ولا معنى في ذلك للعوام الذين لا يعرفون الأصول والفروع ، والله الموفق.
ثم اختلف في تأويل قوله ـ تعالى ـ : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) :
فقال قوم : كأنه قيل : كلوا الأمر فيه إلى الله ـ تعالى ـ والرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا تجتهدوا فيه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) [الشورى : ١٠] تعالى ، ولأن الاختلاف كان على تأويل الكتاب والسنة ، فكيف يطلب من بعد فيهما ، وبعد الطلب حدث التنازع؟!.
وقال قوم : الاختلاف يقع في التأويل بقوله ـ عزوجل ـ : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) إلى ظاهر ذلك ، ولا تتأوّلوا فتختلفوا ؛ إذ الأول كان على التأويل.
وقال قوم : هذا كان في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يظهر في ذلك نص الحكم والحق في ذلك ؛ فيكون الأمر الذي يتنازع فيه أولو الأمر لم يجز لأحد العمل إلا بالبيان ، ولهم وجه الوصول إلى البيان في الحقيقة ، فأمروا بذلك مع ما كان يجوز أن يكون التنازع في وقت لم يفرغ من بيان جميع ما بالخلق إليه حاجة بالكفاية ؛ إذ كان ذلك الوقت وقت حدوث الشرائع ، ووقت احتمال التناسخ وتبديل الأحكام ، فإن (٢) وقع التنازع [بين المجتهدين](٣) فلهم مع إشكال التنازع شبهة احتمال أن أصله لم ينزل ، وأن الذي يتضمن حكمه من المنصوص لم يبلغهم في ذلك ، فيجب في ذلك الرد إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالرد إلى
__________________
(١) في ب : يتمكن.
(٢) في ب : فإذا.
(٣) في ب : للمجتهدين.