رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم.
وأما بعده فقد فرغ من جميع أصول الحوادث التي يعلم الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنها تقع (١) بيان كفاية ؛ إذ لو لم يبين ذلك القدر لبقي (٢) تنازع لا ارتفاع له ، ولا يجوز الحكم ، ولكان لا يعلم الحادث الذي له أصل يطلب أولا ، وفي ذلك تمكين المعنى الذي يخرج إلى الرسالة مع ما قد تكلم جميع الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ ومن بعدهم إلى اليوم في الحوادث من غير أن يظهر عن أحد قول بأن هذا هو ما لم ينزل له الأصل ، فصار ذلك إجماعا في بيان أصول كل حادث ؛ فيجب طلبه في الأصول ، والله أعلم.
والأصل : أنه فيما يوكل إلى أحد يوكل إلى من يعلم الحكم ويملك إظهاره ، فلو كان للتنازع يجب الرد إلى الله ـ تعالى ـ وترك الحكم في ذلك بالاجتهاد ؛ فإذا يبطل أن يكون في الرد إليه (٣) علم بحكمه إلا للوقت الذي لا يحتاج إلى الحكم ؛ وهو يوم القيامة ؛ على أنه معلوم لو كان يرده إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لكان لا يدعهم على ما هم عليه من التنازع الذي هو أصل كل شين وفساد ؛ فعلى ذلك فيما يرد إلى الله ، سبحانه وتعالى.
وإذا علم ـ عزوجل ـ بجميع النوازل وبجميع ما بالخلق إليه حاجة فصارت النوازل كلها مردودات إليه ؛ فيجب أن يكون حكم فيها ؛ إذ قال [الله](٤) ـ عزوجل ـ : (فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) [الشورى : ١٠] تعالى ، وإذا لم يحكم فيها لم يصر الحكم إليه ، بل لا حكم فيه إلى الله ـ تعالى ـ فلما وجب بالذي ذكرت أن يكون ذلك مما تضمنه البيان ـ لزم الاجتهاد.
ثم لو كان الحق عند التنازع الظاهر دون أن يطلب ـ على أصح التأويلات ـ دليل ، لكان لا يجوز التنازع أن يقع ؛ لأن الظاهر قد كان في أيديهم وهو حجة لا يحتمل أن يتركه أحد إلا بالدليل لو كان حجة ، وكان قد قام الدليل على لزوم العدول عن الظاهر بتأويل جميع أولي الأمر في ذلك ؛ فثبت أن دليل ذلك مطلوب يوجد ، ويتفقون عليه إذا أنصفوا ، وأنعموا النظر ، وأعرضوا عن حسن الظن ، ففريق من الأئمة على أن الذي يقوله هؤلاء يقتضي أحكام الحوادث كلها بيقين ؛ فثبت أن أحكامهم مودعات في المنصوص ؛ فصرن متعلقات بالمعاني ، لا بالظواهر.
ثم الأصل : أن العمل بالظواهر في محتمل المعاني ومختلف التأويلات ممّا فيه التنازع
__________________
(١) في ب : وقع.
(٢) في ب : ليبقى.
(٣) في أ : عليه.
(٤) سقط فى ب.