بعثهم لما لا ينفعه طاعة أحد ؛ ولا يضره معصية أحد ، فإنما ضرّ ذلك عليهم ، ونفعه لهم.
ثم قالت المعتزلة في قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ) : أخبر أنه ما أرسل الرسل إلا لتطاع ، ومن الرسل من لم يطع ؛ كيف لا تبينتم أن من الفعل ما قد أراد ـ عزوجل ـ أن يفعل ، وأن يكون ، ولكن لم يكن على ما أخبر أنه ما أرسل من (١) رسول إلا ليطاع.
ثم من قد كان من الرسل ولم يطع.
قيل : هو ما ذكر في آخره : (إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) أي : بمشيئة الله ، فمن شاء من الرسل أن يطاع فقد أطيع ، ومن شاء ألا يطاع ، فلم يطع ، وكذلك من علم أنه يطاع فأرسله ليطاع فأطيع ، ومن علم أنه لا يطاع فلم يطع ، ومن أرسل أن يطاع بأمر ليكون عليه الأمر فذلك مستقيم ، ومن أرسل ليطاع بالأمر فلا يجوز ألا يطاع.
وقوله ـ أيضا ـ : (لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ)
قيل فيه : بأمر الله ، وقد مرّ بيانه.
وقيل : ليطاع بمشيئة الله ؛ فيطيعه كل من شاء الله.
وقيل : بعلم الله ، فهو فيمن يعلم أنه يطيعه ؛ إذ لا يجوز أن يعلم الطاعة ممن لا يكون.
والمعتزلة في هذا : أنه أخبر [أنه](٢) أرسل ليطاع ، ولم يطعه الكل ما يبعد أن يكون أراد ليطاع وإن كان لا يطيعه الكل.
فقلنا : إذا قال : (لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) ، والإذن يتوجه إلى ما ذكرت ؛ فعلى ما ذكرت كان ليطاع ممن يطيعه لا غير ؛ فحصل الأمر على الدعوى ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ومعلوم أن الصغار منهم لا يعبدون ، فخرج الخبر (٣) إلى الخصوص بالوجود ، لا أن كان في كل أمر ؛ فعلى ذلك أمر الإرادة فيمن وجد ، لا أنه في كل على أنه فيه بعلم ، وهو يرجع إلى بعض دون الكل ، فمثله الإذن على إرادة المشيئة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)
أي : علموا أن حاصل ظلمهم راجع إليهم ؛ لأن الظلم هو وضع الشيء في غير
__________________
(١) زاد في ب : الرسول.
(٢) سقط من ب.
(٣) في أ : الجزاء.