موضعه ، وهم وضعوا أنفسهم في غير موضعها ، فإذا لم يعرفوا أنفسهم لم يعرفوا خالقها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ)
أي : جاءوك مسلمين ، تائبين عن التحاكم إلى غيرك ، راضين بقضائك ، نادمين على ما كان منهم ، (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) أي : تشفع (١) لهم الرسول ، (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٢) أي : قابلا لتوبتهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ).
قيل : قوله : (فَلا) صلة ، وكذلك في كل قسم أقسم به ؛ كقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ١] (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [القيامة : ١] ونحوه ، كله صلة ، كأنه قال : أقسم وربك لا يؤمنون.
وقيل : قوله : (فَلا وَرَبِّكَ) ليس هو على الصلة ، ولكن يقال ذلك على نفي ما تقدم من الكلام وإنكاره ؛ كقول الرجل : لا والله ، هو ابتداء الكلام ، ولكن على نفي ما تقدم من الكلام ، فعلى ذلك هذا.
وفيه دلالة تفضيل [رسولنا](٣) محمد صلىاللهعليهوسلم على غيره من البشر ؛ لأن الإضافة إذا خرجت إلى واحد تخرج مخرج التعظيم لذلك الواحد ، والتخصيص له ، وإذا كانت إلى
__________________
(١) في ب : يشفع.
(٢) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣) : الأول : دلت الآية على أن توبة المنافق مقبولة عند الله وفاقا ، وأما في الظاهر فظاهر الآية قبولها ؛ لأنه جعل النبي صلىاللهعليهوسلم مستغفرا لهم وشافعا ، وعن الراضي بالله في الباطنية : إن أظهروا شبههم وما يعتادون كتمه ، دل ذلك على صدق توبتهم ، فيقبل وإلا فلا ، ودلت الآية على أن من تكررت منه المعصية والتوبة صحت توبته لقوله ـ تعالى ـ : تَوَّاباً وذلك ينبئ عن التكرار ، كذا في بعض التفاسير.
الثاني : قال الرازي : لقائل أن يقول : أليس لو استغفروا الله ، وتابوا على وجه صحيح ، لكانت توبتهم مقبولة؟ فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم : قلنا : الجواب عنه من وجوه :
الأول : أن ذلك التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله ، وكان أيضا إساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب لغيره ، فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم.
الثاني : إن القوم لما لم يرضوا بحكم الرسول ، ظهر منهم ذلك التمرد ، فإذا تابوا وجب عليهم أن يفعلوا ما يزيل عنهم ذلك التمرد ، وما ذاك إلا بأن يذهبوا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ويطلبوا منه الاستغفار.
الثالث : لعلهم إذا أتوا بالتوبة أتوا بها على وجه الخلل ، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صارت مستحقة للقبول ، انتهى.
أقول : وثمة وجه رابع : وهو التنويه بشأن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأن طاعته طاعته تعالى ، فرضاه رضاه وسخطه سخطه.
(٣) سقط من ب.