[يقولون :](١)(يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) أي : يأخذ من الغنيمة نصيبا وافرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) هذا قول المكذب الشامت (٢) : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ ...) الآية ، هو قول الحاسد ؛ وهو قول قتادة.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) يعنى : ليتخلفن عن النفير : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) يعنى : شدة وبلاء من العيش والعدو (٣) ، (قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) فيصيبنى ما أصابهم : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) دل أن فرض الجهاد فرض كفاية (٤)
__________________
ـ هو لهم ، بقتال منا أو إيجاف خيل ، أو نحو ذلك.
وعرفها الحنفية : بما نيل من أهل الشرك عنوة ، أي : قهرا أو غلبة ، والحرب قائمة.
وعرفها المالكية : بما أخذه المسلمون من الكفار بإيجاف الخيل أو الركاب.
وعرفها الحنابلة : ما أخذ من مال حربي قهرا بقتال ، وما ألحق به.
ينظر : الإقناع للخطيب (٢ / ٥١٧) ، أنيس الفقهاء (١٨٣) ، وكشاف القناع (٣ / ٧٧.
(٧) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٢٧) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان.
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٣٩) (٩٩٣٧ ، ٩٩٤٠) (٩٩٣٨ ، ٩٩٤١) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٢٧) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة وابن المنذر عن ابن جريج.
(٣) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٢٧) وعزاه لابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل ابن حيان.
(٤) عرض الفقهاء لحكم الجهاد في الإسلام فقال ابن حجر : ذكر أبو الحسن الماوردى أنه كان فرض عين في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم على المهاجرين ؛ ويؤيد هذا وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة ؛ لنصرة الإسلام. وقال السهيلى : كان عينا على الأنصار دون غيرهم ؛ ويؤيده مبايعتهم النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة على أن يؤووا الرسول ، وينصروه. فيخرج من قولهما : إنه كان عينا على الطائفتين ، كفاية في حق غيرهم. وليس ذلك على التعميم ؛ بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق ، وفي حق المهاجرين إذا أراد قتله أحد من الكفار ابتداء. وقيل : كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلىاللهعليهوسلم دون غيرها.
والتحقيق : أنه كان عينا على من عينه النبي صلىاللهعليهوسلم ولو لم يخرج ، وأما بعده صلىاللهعليهوسلم فهو فرض كفاية ، إن كان الكفار مستقرين ببلادهم ، وفرض عين ؛ إن هجموا على بلاد المسلمين ...
وهذه التفرقة في الحكم بين زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وما بعده إنما ذكرها الشافعية في كتبهم. وأما غير الشافعي من الأئمة المجتهدين ـ ووافقهم على ذلك جمهور العلماء ـ فقد ذكروا الحكم مطلقا في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وما بعده ، وقالوا : إذا لم يكن النفير عاما ، ولم يهجم الكفار على بلد من بلاد المسلمين ـ فالجهاد فرض كفاية : إذا قام به البعض ، وحصل المقصود بهم ـ سقط عن الباقين. وإذا تركه الكل أثموا جميعا. واستدلوا على الفرضية بالأوامر القطيعة ؛ كقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) ـ