وتأويل آخر : أن تكون الآية في المنافقين : أنه يظهر عليهم النفاق وقت المحنة بالجهاد دون غيره من العبادات ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ...) الآية [محمد : ٢٠] ، بين ما نزل بالمنافقين ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ...) الآيات [الأحزاب : ١٨] ـ والله أعلم ـ فيمن نزلت الآية ، لكنها معلوم أن فيها ترغيبا فيما عند الله ، وتزهيدا في الدنيا ، ودعاء إلى الرضا بحكم الله ـ تعالى ـ فيما خف وثقل ، والله المستعان.
وعلى التأويل الآخر : جميع ما ذكر ظاهر في المنافقين ، مذكور ذلك في الآيات التي ذكرتها ، وفيهم قال الله ـ تعالى ـ : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ ...) الآية [الأحزاب : ١٦] ، وغير ذلك مما دل على إنكارهم ، وفضل خوفهم في ذلك ، والله أعلم.
فإن قال قائل : كيف قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) وقد هلك به أكثر البشر؟
قيل : قد يخرج على وجوه ـ والله أعلم ـ :
أحدها : أنه يضعف كيده على من تعوّذ بالله ـ تعالى ـ كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ ...) الآية [الأعراف : ٢٠٠] ، وإنما يقوى على من جنح له ، ومال إلى ما دعاه إليه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ ...) الآية إلى قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) [الأعراف : ٢٠١ ـ ٢٠٢].
والثاني : أن يكون ضعيفا على المقبل على ربه ، والذاكر له في أحواله ، والمفوض أمره إلى ربه ، فأما من تولاه وأقبل على إشارته فهو الذي جعل له السلطان على نفسه بما آثره في شهواته ، ومال به هواه ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية [النحل : ٩٩] ، وقد سماه الله ـ تعالى ـ : (الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) [الناس : ٤] ، بما يخنس بذكر الله ـ تعالى ـ ويوسوس عند الغفلة عن الله ، فكان سلطانه به ، والله الموفق.
والثالث : أنه لا يملك الجبر والقهر ولا اكتساب الضرر في الأبدان والأموال ، فهو ضعيف ، والله أعلم.
والرابع ـ والله أعلم ـ : أن يكون كان ضعيفا ، أي : صار ضعيفا عند نصر الله ومعونته ، والله أعلم.
ويحتمل : كان ضعيفا لو ظهر ، حتى يعلم أنه شيطان ، لكن قوى بما لا يعلم المغرور أنه كيده وتغريره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ)