عليه ما لم يكن في غيرها ، وإن كان من حيث قدرة الله ـ تعالى ـ واحد ؛ فتكون تلك الخشية جبلية طبيعية ، لا اختيارية ، أو سخط بحكم الرب ، وهو كالذي جاء من قوله ـ تعالى ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ...) الآية [البقرة : ٢١٦].
وقوله ـ على ذلك ـ : (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ ...)
الآية ، يحتمل وجهين :
أحدهما : الخبر عما في طباعهم ، كما قال ـ عزوجل ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ...) الآية [البقرة : ٢١٦] ، وقال [النبي](١) صلىاللهعليهوسلم : «حفّت الجنّة بالمكاره» (٢) وإنما ذلك على الطبع فذلك الطبع كالسائل عن ذلك ، وربما يضيفون القول والسؤال على اعتبار الأحوال إلى ما لا يطيق له ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
ويحتمل : أن يكون قولا منهم عن وجه الحكمة لهم بالأمر فيما علم أنهم يبلغون بالقتل والجبن إلى حال لا يقومون للعدو ، ولا يملكون أنفسهم في ذلك الوقت ؛ فأخبر الله ـ عزوجل ـ أن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التمتع بالدنيا (٣) ، ولو صوروا متاع الآخرة في قلوبهم لذهب عنهم ذلك ، ويثبتون للعدو ، ولا يبالون للعدو بما يحل بهم ، ولا يخشون لذلك ، وكأنه وعد لهم أن متاع الآخرة لكم على هذا الفعل لو صبرتم خير لكم ، وما وعد لكم عليه خير من متاع الدنيا.
وأيضا : أن يقال : إن هذا وإن عظم هوله على الطبع ، فإنه إذا كان لله بحق العبادة لهو أيسر وأهون من الموت على صاحبه إذا حضر ؛ إذ يريهم الله متاع الآخرة أو بعض ما فيه الكرامة ؛ فيصير ذلك متاع الآخرة لهم وقت الموت فهو خير من تمتعهم في الدنيا ثم الموت ، ولا ذلك منه ، كما قيل في تأويل قوله صلىاللهعليهوسلم : «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (٤) إن المؤمن يرى ما له من الكرامة ؛ فيحب الموت أن يعجل به ؛ ليصل إلى ذلك ، والكافر يرى سخطه فيكرهه ، وعلى هذا تأويل القول في الدنيا أنها : «سجن المؤمن وجنّة الكافر» (٥) أن تكون كذلك في ذلك الوقت ، والله أعلم.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه البخاري (١١ / ٣٢٧) كتاب الرقاق : باب حجبت النار بالشهوات (٦٤٨٧) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٤) كتاب الجنة وصفه نعيمها (٢٨٢٢).
(٣) في ب : في الدنيا.
(٤) أخرجه البخاري (١١ / ٣٦٤ ، ٣٦٥) كتاب الرقاق : باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (٦٥٠٧) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦٥ ، ٢٠٦٦) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار : باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، رقم (١٥ ـ ٢٦٨٤).
(٥) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٢) كتاب الزهد (١ / ٢٩٥٦) ، والترمذي (٤ / ٢٨٦) كتاب الزهد : باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن (٢٣٢٤).