وترك بنات وامرأة ، فقام رجلان من بنى عمه ـ وهما وصيان ـ فأخذا ماله ، ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا ؛ فجاءت امرأة أوس بن ثابت (١) إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشكت ، وأخبرت بالقصة ؛ فقال لها : «ارجعى في بيتك حتّى انظر ما يحدث الله في ذلك». فانصرفت ؛ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ...) الآية (٢).
وقيل : نزلت الآية في شأن امرأة سعد : أن سعدا استشهد بأحد ، وترك ابنتين وامرأة ، فاحتوى أخ لسعد على مال سعد ، ولم يعط المرأة ولا الابنتين شيئا ؛ فاختصمت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخبرته بالقصة ؛ فقال لها : «لم ينزل الله علىّ فيكم شيئا». ثم نزلت الآية ، فأخذ من عمهما ثلثي المال ، ورده إليهما ، ودفع الثّمن إلى المرأة ، وترك البقية للعم (٣). والله أعلم أن فيم كان نزولها؟.
وفي هذا الخبر دليل أن للابنتين (٤) الثلثين ، كما للثلاث فصاعدا ، ليس كما قال بعض الناس : إن لهما النصف ؛ لأن الله ـ تعالى ـ إنما جعل الثلثين للثلاثة.
ثم تحتمل الآية وجهين بعد هذا :
تحتمل أن يكون المراد الأولاد خاصة لا غير ؛ فيدخل كل ولد : ولد البنات ، وولد البنين ؛ لأنهم كلهم أولاده.
ويحتمل أن يكون المراد منها الرجال والنساء ؛ فيدخل ذوو الأرحام (٥) في ذلك ، فلما لم يدخل بنات البنات في ذلك ـ وهم أولاد ـ دل أنه أراد النساء والرجال جميعا ، لا
__________________
ـ أوس يوم أحد. ينظر : أسد الغابة (١ / ٣١٤) ، الاستيعاب. ترجمة (١٠٣) ، الإصابة : ترجمة (٥٦٨).
(١) اسمها : أم كحة ـ بضم الكاف والحاء المهملة.
ينظر : أسد الغابة لابن الأثير (٧ / ٣٨١).
(٢) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٧) وعزاه لأبي الشيخ عن ابن عباس.
(٣) أخرجه أحمد (٣ / ٣٥٢) ، وأبو داود (٣ / ٣١٦) : كتاب الفرائض ، رقم (٢٨٩٢) ، والترمذي (٤ / ٤١٤ ـ ٤١٥) : كتاب الفرائض ، رقم (٢٠٩٢) ، وابن ماجه (٢ / ٩٠٨ ، ٩٠٩) : كتاب الفرائض ، رقم (٢٧٢٠) ، والحاكم (٤ / ٣٤٢).
وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي.
(٤) في ب : للأنثيين.
(٥) ذوو الأرحام هم الأقارب ، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ، ويطلق في الشرع على ذى القرابة مطلقا ، غير أنه في المواريث يراد به كل قريب ليس بذي سهم ـ أي : ذي فرض بمقدار ـ في كتاب الله ـ تعالى ـ أو سنة رسوله ، أو إجماع الأمة ، ولا عصبة تحرز المال عند الانفراد.
انظر شرح السراجية لعلي بن محمد الجرجاني ص (١٦٣).