وقيل : كان هذا في حي من العرب بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمان وعهد ، وكانت (١) الموادعة على أن من أتاهم من المسلمين فهو آمن ، ومن جاء منهم إلى المؤمنين فهو آمن (٢) ، يقول ـ والله أعلم ـ : إن وصل هؤلاء أو غيرهم إلى أهل عهدهم ـ أو قال : عهدكم ـ فإن لهم مثل الذي لأولئك من العهد وترك القتال.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : لما صد مشركو مكة نبي الله صلىاللهعليهوسلم عن البيت ـ جاء رجل ـ يقال كذا من بعض القبائل ـ لينظر ما أمر محمد وقريش ؛ فرآهم قد حالوا بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين البيت ، فقال : يا معشر قريش ، [هلكتم](٣) ؛ أتردّون قوما عمار ضفروا رءوسهم عن البيت ، والله لا نشرككم في هذا ؛ فصالح رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووادعه ألا يكونوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يكونوا عليه ، ومن لجأ إليه فهو آمن.
فلا ندري كيف كانت القصة في ذلك ، غير أن فيه دليلا أن من اتصل بأهل العهد وكان على رأيهم ـ فهو بمنزلتهم ، لا نقاتلهم.
ومن قولنا : إن الإمام إذا وادع أهل بلدة أهل الحرب ، فمن دخل فيها أو اتصل بهم فهم آمنون مثلهم ؛ لا يحل قتالهم ، ولا أسرهم ، حتى ينبذ إليهم عهدهم ، وإذا أمّن قوما منهم في دار الإسلام ووادعهم ، ثم انضم إليهم آخرون ، فدخلوا معهم دار الإسلام ـ له قتالهم وأسرهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)
قيل : أي : ضيقة صدورهم (٤) ، وهكذا قال الكسائي : كل من ضاق صدره عن فعل أو كلام ؛ [فقد حصر](٥) ، فهذا ـ والله أعلم ـ ما ذكرنا : أن الموادعة ألا يعين بعضهم بعضا في القتال ، ولا يعينوا عليهم عدوهم ، فنهاهم الله عن قتالهم ؛ لما أخبر أن قلوبهم تضيق على أن يقاتلوكم مع قومهم أو أن يقاتلوا قومهم معكم.
وفي قوله ـ تعالى ـ أيضا : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) يحتمل : أن يكون حكم هذا الحرف ما ضمّنه الحرف الأول ؛ فيكون ذلك الشيء عمن ذكرت إذا كان هذا صفته ـ
__________________
(١) في ب : وكان.
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٩ / ١٩) (١٠٠٧٠) عن ابن زيد.
(٣) سقط من ب.
(٤) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢١) (١٠٠٧٢) عن السدي ، وذكره السيوطي (٢ / ٣٤٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي.
(٥) سقط من ب.