أن (١) يضيق صدره عن مقاتلة المؤمنين والكافرين جميعا : إما بالطبع ، أو بالوفاء العهد ، أو بالنظر في الأمر ؛ ليتبين له الحق ، وهو متردد في الأمر ؛ بما يجد المعروفين بالكتب التي احتج بها الرسول صلىاللهعليهوسلم مختلفين فيه على ما عقولهم مرتقب بهم ، أو تخلف عن الإحاطة بحق الحق إلا بعد طول النظر ، والله أعلم ؛ فيكون معنى قوله : (أَوْ جاؤُكُمْ) بمعنى : وجاءوكم.
ويحتمل : في قوم سوى ما ذكرت من الذين يصلون ، لكن في أولئك المعاهدين نفسه الذين أبت أنفسهم نقض العهد بينهم وبين المؤمنين ، وعزموا على الوفاء به ، وأبت أنفسهم ـ أيضا ـ معونة المؤمنين على قومهم بالموافقة بالمذهب والدين ، وعلى ذلك وصف جميع المعاهدين الذين عزموا على الوفاء بالعهد ، وذلك في حق الآيات التي ذكرنا ، ثم بين الذين يناقضون العهد ، أو المنافقين الذين متى سئلوا عن الكون على رسول الله والعون لأعدائه ـ الأمر فيهم ؛ وذلك كقوله تعالى : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ). إلى قوله : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها) [الأحزاب : ١٣ ـ ١٤] وتكون هذه الآية فيهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ...) الآية [الأحزاب : ٦٠] ؛ فيكون في هذه الآية الإذن ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)
أي : نزع من (٢) قلوبهم الرعب والخوف ؛ فقاتلوكم ، ولم يطلبوا منكم الصلح والموادعة.
(فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ)
يعني : طلبوا الصلح (٣) ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه.
وقيل : قالوا : إنا على دينكم ، وأظهروا الإسلام.
(فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً).
أي : حجة وسلطان القتال ، أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بالكف عن هؤلاء.
ثم قال : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ...) الآية.
قيل : كان رجال تكلموا بالإسلام متعوذين ؛ ليأمنوا في المسلمين إذا لقوهم ، ويأمنوا
__________________
(١) في أ : أو.
(٢) في ب : عن.
(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢٤) (١٠٠٧٣) عن الربيع بن أنس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن الربيع.