ثم الخطأ ـ عندنا (١) ـ على وجهين : خطأ قصد ، وخطأ دين.
فخطأ القصد : هو أن يقصد أحدا فيصيب غيره.
وخطأ الدين : هو أن يعرفه مشركا كافرا من قبل حلال الدم ؛ فيقتله على ما عرفه من قبل ، وهو للحال مسلم.
فإن قيل : كيف لزمه في قتل الخطأ ما لزمه من الكفارة؟ وقد أخبر الله ـ عزوجل ـ أنه لا يؤاخذه له ، وأن لا حرج عليه في ذلك ؛ بقوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] ، وقال في آية أخرى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ (٢) وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب : ٥] ، وغيرها من الآيات.
قيل : إن الفعل فعل مأثم ، وإن كان لم يوجد منه القصد فيه ، فما أوجب إنما أوجب ؛ لما الفعل فعل مأثم.
والثاني : يجوز أن يكون الله يكلفنا (٣) بترك القتل والفعل في حال السهو والغفلة ، ألا ترى أنه قال : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) [البقرة : ٢٨٦] ، والخطأ نقيض الصواب ؛ فلا يجوز أن يؤمر بطلب الصواب ولا ينهي عن إتيان ضده ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَنْسَ
__________________
(١) القتل الخطأ ، الخطأ ـ في اللغة ـ : ضد الصّواب ، ويقال : أخطأ : إذا أراد الصواب فصار إلى غيره ، ويقال : أخطأه الحق : إذا بعد عنه ، وأخطأ السّهم : تجاوزه ولم يصبه ، ويطلق الخطأ على الفعل الذي يصدر من الإنسان بغير قصد.
وقد اختلف الفقهاء في تحديده :
فعرفه الشافعية : بأنه ما صدر من الإنسان بفعل لم يقصد أصلا ، أو قصد دون قصد الشخص المقتول.
وعرفه الحنفية : بأنه ما يصدر من الإنسان بعدوان قصد عند مباشرة أمر مقصود ؛ بسبب ترك التثبت والاحتياط ، وهو على نوعين : خطأ في الفعل ، وخطأ في القصد.
وعرف الإمام ابن عرفة القتل الخطأ ، فقال : هو ما مسبّبه غير مقصود لفاعله باعتبار صنفه غير منهي عنه.
ويعرفه أكثر الحنابلة بمثل تعريف الشافعية ، إلا أنهم يجعلون منه عمد الصبي والمجنون ، كما أن بعض الحنابلة يقولون بوجود قسم رابع يسمونه : ما أجرى مجرى الخطأ ، ويجعلونه شاملا لصور كثيرة ، منها : القتل من غير المكلف ، وما لا قصد فيه أصلا ، والقتل بالتسبب إن لم يكن عمدا ولا شبه عمد ، ومن هؤلاء أبو الخطاب الحنبلي ، وصاحب «متن المقنع».
وقد قال في «الشرح الكبير» : وهذه الصور عند الأكثرين من قسم الخطأ أعطوه حكمه ، وعلى ذلك درج الخرقي في «مختصره» ؛ حيث قال : القتل على ثلاثة أوجه : عمد ، وشبه عمد ، وخطأ.
ينظر : مغني المحتاج (٤ / ٤) ، العناية على التكملة (٨ / ٢٥٢) ، شرح حدود ابن عرفة ص ٤٧٧ ، المغني (٩ / ٣٣٩) ، الشرح الكبير (٩ / ٣٢٠).
(٢) في أ : فيه.
(٣) في ب : تكليفا.