رأينا الوجوب مع ما هو أعظم في العدة من هؤلاء ، وأيد ذلك الإيجاب في المؤمن الذي قومه من أهل الميثاق ، أو الكافر الذي هو من أهل الميثاق ، والعداوة لم تكن انقطعت بالميثاق.
والوجه الثاني : أنه لا توارث يجري بين المسلم وأهل الكفر (١) ليبطل حق الدية بوجوبها لهم ، بل يتحول الميراث بالإسلام إلى أهل الإسلام ، وإن لم يكن له خصوص أهل ، وعلى ذلك جميع تركته ؛ فبان أنه لا لهذا لم يوجب.
والقول الثالث : أن الآية فيمن أسلم في دار الحرب ولم يخرج إلينا حتى يقتله مؤمن خطأ أنّ عليه تحرير رقبة ، ولا دية فيه ؛ فيكون المعنى (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) : هو من قوم في الظاهر عند القاتل لم يخرجوا بعد عن إظهار المعاداة ، ثم يكون قتله الخطأ من وجهين :
أحدهما : بما كان عرف كفره ، ولم يظهر انتقاله عما كان عليه في الظاهر ، لا بخروجه إلى دار الإسلام ولا سيما يظهر ، وذلك ظاهر الوجود ، وفي مثله نزل قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ...) الآية [النساء : ٩٤] ، وقد أخبر أنهم كانوا كذلك يكتمون دينهم حتى منّ الله عليهم بالإظهار ؛ فيكون هذا بين أظهرهم على الأمر الأول ، ولا على ذلك شأن المسلمين الذين دخلوا تلك الدار بالأمان ، ولا يحتمل أن يلحقه هذا النوع من قتل الخطأ ؛ فلزم في نفسه البدل [على كل](٢) حال.
والثاني : أن يرمي غيره فيصيبه على ما يكون خطأ أهل هذه الدار ، ولم تجب له الدية ؛ لما يقع فيه الخطأ من الوجه الذي على الآمر يفعل على ما بينت ؛ فلا يحتمل أن يجعل لنفسه بدل.
والأصل في ذلك : أن دار الحرب هي دار الحرب ، وفي الحرب سفك الدماء وإتلاف الأموال ؛ فلا يقع بها إحراز الدماء والأموال ؛ فلذلك لم يجب فيها البدل ، وليس كدار
__________________
(١) لا نعلم خلافا بين الفقهاء في أن المسلم يرث من مورّثه المسلم ؛ ما لم يكن ثمّ مانع من قتل ، أو رق ، أو نحوهما ، كما أن الكافر يرث من الكافر ، على خلاف في أن الكفر كله ملة واحدة ، أو ملل مختلفة ، وأيضا اتفقوا على أن الكافر لا يرث من المسلم ، وذلك الميراث يعتمد الولاية ، ولا ولاية بين المسلم والكافر.
أما ميراث المسلم من الكافر : فجمهور الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء ـ على نفيه أيضا في الجملة. وقال معاذ ، ومعاوية ، والإمامية ـ وحكي ذلك عن محمد ابن الحنفية ، وابن المسيب ، ومسروق ، وإسحاق ـ : إنه يرث المسلم من الكافر الكتابيّ.
ينظر أدلة كل فريق في : المغني (٧ / ١٦٥) ، أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٠١) ، نيل الأوطار للشوكاني (٦ / ٣) ، الجامع الصغير (١ / ٤٦١) ، المنتقى (٦ / ٢٥٠).
(٢) في أ : والأصل على.