الإسلام ؛ لأنها دار سلم وأمن حتى جعلت تحرز بها الدماء والأموال على ما كان أنفس الأعداء إذا دخلت بالميثاق إلينا استوجبت حق الأعراض ولزوم البدل ، وإن كانوا من قوم عدو لنا ؛ إذ هي الدار دار سلم وإحراز ، ولا يشبه الذي أسلم ، ولم يخرج ، الذي خرج من هذه الدار مسلما لما كان يخرج بأمان ، وفي الأمان لزوم حفظ الأمر الأول ، وليس في الأول ذلك على (١) أن أحد الأمرين في ابتداء الإيجاب ، والآخر في البقاء على ما وجب ، ومعلوم تفاضل هذين في الأصول ، واختلاف الأمر بينهما ، وقد كان في إبقاء بعض ما يستوجب بالدين لترك الهجرة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) [الأنفال : ٧٢] وقد نسخت تلك الهجرة ، ولم تنسخ (٢) الهجرة إلى دار الإسلام ، وإن نسخت إلى المدينة ، فلم يكن لنا من ولايتهم من شيء ، وإنما حق بذل الأنفس لمن يبقى (٣) عنه من الأولياء والأهل ، وقد بقي (٤) ذلك ؛ فلذلك لم يجب.
وعلى هذا يخرج قولنا فيه : لو قتل عمدا ألّا يجب القصاص ولا الدية ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) [الإسراء : ٣٣] وقد بقي فيما نحن فيه الولاية ؛ لذلك بطل السلطان ، وفي بطلانه بطلان البدل ، ويجوز معه بقاء الحق الذي بينه وبين الله ؛ لثبات تلك الحرمة.
ووجه آخر في تأويل : قوله : (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) [أي : في قوم مظهري العداوة](٥) ؛ دليل ذلك : أنه وإن خرج إلى هذه الدار فهم (٦) قومه ، لكنه ليس يرجع إلى مؤمن آمن وهو يعد فيهم أن لا شيء ، فإذا خرج إن عاد وإلا فله حكم نازله لم يقتضه حق الآية ؛ فيجب فيه الذي يجب على حسب الدليل الموجب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(٧).
اختلف فيه : قال بعضهم : ذلك القتيل معاهد ؛ من قوم بيننا وبينهم ميثاق ؛ فاحتج
__________________
(١) في أ : علم.
(٢) في أ : ينفتح.
(٣) في ب : ينفي.
(٤) في ب : نفي.
(٥) بدل ما بين المعقوفين في ب : أي : من قوم عدو لكم ، أي : من قوم مظهري العداوة.
(٦) في أ : فيهم.
(٧) قال القاسمي (٥ / ٣٦١) : قال السيوطي : ففيه أن المقتول إذا كان من أهل الذمة والعهد ففيه دية مسلمة إلى أهله مع الكفارة ، وفيه رد على من قال : لا كفارة في قتل الذمّي ، والذين قالوا ذلك قالوا : إن الآية في المؤمن الذي أهله أهل عهد ، وقالوا : إنهم أحق بديته لأجل عهدهم ، ويرده ـ