بعض أصحابنا ـ رحمهمالله ـ بهذه الآية [الكريمة](١) في إيجاب الدية في قتل المعاهد (٢) : دية مسلمة ، وهي مثل دية المسلم ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال فيهما جميعا : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ ...) فهما (٣) سواء. وقد روي ذلك عن ابن عباس ، رضي الله عنه (٤).
والآية تحتمل غير هذا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال في أول الآية : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ...) إلى قوله : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ...) فيحتمل : أن يكون معناه : وإن كان المقتول المؤمن من قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فاكتفي بذكر الإيمان في القتيلين الأولين عن إعادة ذكر الإيمان في القتيل الثالث ، ولم يكتف بذكر الإيمان في القتيل الأول عن إعادته في الثاني ؛ لأنه لو قال [الله ـ تعالى ـ :](٥)(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ، ولم يزد على هذا ـ كنا نوجب الدية في قتل كل مؤمن ؛ فذكر الإيمان في الثاني للتفريق بينهما.
وأما ذكر الإيمان في الثاني أغنى عن ذكره في الثالث ؛ لأنه لا تفرقة بينهما ؛ لذلك كان ما ذكرنا.
وعن الحسن : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) قال : مؤمن (٦).
واستدل من ذهب إلى أن المقتول مسلم بأن الله ـ تعالى ـ قال : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ولا تجب الكفارة على قاتل المعاهد إذا لم تكن ذمة ، ألا ترى أن النبي صلىاللهعليهوسلم فدى قتيلي عمرو بن أمية ، وكان لهما عهد ، ولم يبلغنا أنه أمر بالكفارة ، فيقال : إن الكفارة واجبة على قاتل المعاهد المستأمن بظاهر الآية بقوله : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ).
وقال أيضا : ومما يدل أن المقتول معاهد : أنه لو كان مسلما لم يجب لأهله من
__________________
ـ تفسير ابن عباس المذكور ، وأنه تعالى لم يقل فيه : وهو مؤمن ، كما قال في الذي قبله.
(١) سقط من ب.
(٢) المعاهد يطلق ويراد به : أهل الذمة ، أو المستأمنون : وهم من دخلوا دار الإسلام بأمان.
ينظر : المطلع ص (٢٢١).
(٣) في أ : فيهما.
(٤) أخرجه ابن جرير (٩ / ٤١) (١٠١١٧) عن الزهري ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٨) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن الزهري.
(٥) سقط من ب.
(٦) أخرجه ابن جرير (٩ / ٤٣): (١٠١٢٤) عن الحسن ، (١٠١٢٣) عن جابر بن زيد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٧) ، وزاد نسبته لابن المنذر عن جابر بن زيد.