المعاهدين الدية ؛ لأنهم لا يرثونه ، وإنما يرثونه إذا كان معاهدا ، وهذا يؤيد قول أصحابنا ـ رحمهمالله ـ في وجوب كمال دية المسلم على قاتل المعاهد.
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه ودى ذميّا دية مسلم ، وحديث عمرو بن أمية : أنه كان ببعض الطريق ، فأقبل (١) رجلان من بني عامر حتى نزلا في ظل هو فيه ، وكان معهما (٢) عهد من رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يعلم به عمرو ، وقد علم أنهما من بني عامر ، فلما ناما عدا عليهما فقتلهما ، وهو يرى أنه أصاب منهما ثأره من بني عامر ، فلما قدم عمرو على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لقد قتلت قتيلين لأدينهما. فوداهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٣).
ومعلوم أن الدية كانت تامة وإن لم تسم ؛ لأن العرب كانت لا ترضى أن تنتقص دياتها عن ديات المسلمين.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : أن النبي صلىاللهعليهوسلم جعل دية العامريّين دية الحرّين المسلمين (٤).
وعن ابن مسعود (٥) ـ رضي الله عنه ـ قال : دية أهل الكتاب مثل دية المسلم (٦).
فإن قيل : روي (٧) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : دية اليهودي والنصراني أربعة [آلاف درهم](٨) ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم (٩). عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ مثله.
قيل : يحتمل هذا ما روي عن عمر : أنه قوّم الإبل فبلغت قيمتها أربعة آلاف درهم ، ثم قومها ثانيا فبلغت ستة آلاف ، إلى أن بلغت عشرة آلاف (١٠) ، أو ما ذكر ، فيحتمل أنه لما قومها فبلغت أربعة آلاف كان ذلك في دية يهودي أو نصراني ؛ فظن الراوي أنه إنما أوجب أربعة آلاف ؛ لأنه دية النصراني أو اليهودي ، فروي على ذلك مع ما روي عن عمر وعثمان
__________________
(١) في ب : أقبل.
(٢) في ب : مقيما.
(٣) ذكره الهيثمي في المجمع (٦ / ١٣٢) ، وعزاه للطبراني عن محمد بن إسحاق ، وقال : رجاله ثقات إلى ابن إسحاق ، وذكره الحافظ في الفتح (٧ / ٣٣١) ، وابن كثير في تفسيره (٨ / ٧٣).
(٤) أخرجه الترمذي في سننه (٣ / ٧٥) باب ما جاء فيمن يقتل نفسا معاهدة (١٤٠٤) ، وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وابن عدي في الكامل (٣ / ١٢٢١).
(٥) في أ : ابن عباس.
(٦) أخرجه ابن جرير (٩ / ٥١) (١٠١٤٥).
(٧) في أ : أدى.
(٨) في ب : لأن ديتهم.
(٩) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٩ / ٥٣ ـ ٥٤) (١٠١٦٠ ـ ١٠١٦٦) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٨) ، وزاد نسبته للشافعي في مسنده ، وعبد الرزاق في المصنف ، وابن أبي شيبة في المصنف.
(١٠) أخرجه ابن جرير (٩ / ٥٠) ، (١٠١٤٣) بلفظ : «فجعلها اثني عشر ألف درهم وألف دينار» ، والبيهقي في سننه (٨ / ٧٦) كتاب الديات : باب إعواز البل.