أحدها : أن في العمد ما هو لنفسه كفارة وهو القصاص ، وقد دفع ذلك في شبه العمد ، والدية تلزم العاقلة ، فلا بد من وضع كفارة في ذلك ؛ كالذي ذكر في الخطأ فيه.
والثاني : أنه ذكر في الكفارة توبة من الله ، والتوبة من الله تخرج على أوجه ثلاثة :
على التوفيق لفعله.
أو على التجاوز لما كان من الزلة.
أو على جعل ذلك الفعل منه توبة عن زلته.
وأي هذه الوجوه الثلاثة كان ففي ذلك معنى يحق وصف التوبة ؛ فيكون في ذلك مما قد يتوجه إلى عمد يلحق وصف الزلة ، أو أمر تجوز الكلفة به ؛ فيقع العدول عنه ؛ إذ قال : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب : ٥] فإن (١) جعل في ذا توبة فهو في وجه فيه جناح ؛ فيدخل في ذلك قتل فيه جناح ، ويكون له حكم الخطأ يبينه الخبر.
والثالث : اتفاق أهل الفتوى على القول به ، وأيضا أن الذي يقع الخطأ فيه لدينه فقد (٢) تعمد قتله ، وأوجبت عليه الكفارة ، فقد وجدت كفارة مع تعمد فيما لا بدل لنفسه ، فإذا كان شبه العمد يجب فيه البدل فهو لوجوب الكفارة أحق.
وأما العمد الذي فيه القصاص ففيه (٣) أوجه ثلاثة :
أحدها : أن الله ـ تعالى ـ بين ما فيه من الحق على نحو ما بين في الخطأ ، وإنما يجب طلب العلم (٤) بالحكم فيما لم يبيّن منصوصا من النوازل التي يعلم أن لله ـ تعالى ـ فيها حكما ؛ إذ لم ينص عليه ، فقد جعله مبينا بالتضمن لا بالتصريح ، فإذا بيّن سقطت الحاجة وبطل الاجتهاد والتعرف به ، وعلى مثل ذلك يجاب لقتل الصيد عمدا أن الحكم فيه لم يبين بالتصريح ، فهو متروك للتضمين.
والثاني : أن الكفارة في حق الزجر عنه ، والتكفير لفعله ، وفي السيف ذلك والزيادة فيه ؛ فلذلك لم يضم إليه غيره.
ثم معلوم أن الكفارة إنما جعلت بما معه الإبقاء حتى يصوم شهرين ، وفيما فيه القصاص لا مهلة له يستوجب به بقاء النفس ؛ لتقوم بالكفارة ؛ فلذلك لم تجب.
__________________
(١) في أ : فإذ.
(٢) في أ : قصد.
(٣) في ب : ومنه.
(٤) في أ : العمل.