والثالث : الاتفاق أن الذي يقتص لا يلزمه الكفارة ، فمن وجب له حكم العمد لم تجب عليه الكفارة ، ولو أوجبنا الكفارة على القاتل جعلناها حقّا لله من حيث النفس لا من حيث معنى في الجناية له تجب ، وذلك المعنى في نفس القاتل والقتيل سواء ؛ فيكون ولي القتيل آخذا الذي له وقع القصاص والذي ليس له القصاص ، لكن له الكفارة فتلزمه ، فإذ لم تجب ، بان أنها تجب بحال في النفس والجناية ، فلم تجب فيما عدمت تلك الحالة.
والأصل : أنها لم تجعل للحظر ولا لنفس الحرمة ؛ إذ قد يوجد قتل نفس محظورة ولم تجعل فيها الكفارة ، نحو الذراري والنساء من أهل الشرك ، بل لو كان كذلك كان الخطأ من أبعد ما يجعل له الكفارة ؛ فثبت أنها لم تجعل لذلك ، ومن يقس ـ يقس بذلك ؛ فبطل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) اختلف فيه :
قال بعضهم : لا يجزئ إلا من صام وصلى.
وعن ابن عباس قال : الرقبة المؤمنة : كل مولود ولد في الإسلام ، صغيرا كان أو كبيرا (١).
والأشبه أن يجزئ الصغير من المسلمين ، ألا ترى أنهم أجمعوا أن على قاتل الصغير من المؤمنين مثل ما كان على قاتل الكبير منهم؟! فيجب أن يجزئ الصغير من المؤمنين على ما يجزئ عنه الكبير منهم ؛ إذ كان حكم الصغير من المؤمنين حكم الكبير منهم (٢).
ومما يدل على ذلك ـ أيضا ـ أن حكم الصغير من المؤمنين ، وميراثه ، وتزويجه ، وطلاق الرجل الزوجة الصغيرة ـ حكم الكبير ، فهم مؤمنون في الحكم وإن كانوا صغارا ، ولكن لسنا نذكر عن (٣) أصحابنا رواية منصوصة في جوازه ، والقياس ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ)
وصف الله ـ تعالى ـ الشهرين بالتتابع ، ووصف الرقبة بالإيمان ، فهو ـ والله أعلم ـ يحتمل أن يكون على التغليظ والتشديد ؛ لما يجوز أن يجاوز جرم حكم الخطأ جرم غيره من الأشياء ، نحو أن يقتله بعصا ، أو بسوط ، ونحوه ، قاصدا له ، ولا شك أن جرمه أعظم من جرم غيره من الأفعال التي توجب الكفارة من الأيمان والظهار وغيره ؛ فغلظ فيه ما لم
__________________
(١) ذكره بنحوه أبو حيان في البحر (٣ / ٣٣٤) ، ولم ينسبه لأحد.
(٢) في ب : منهما.
(٣) في ب : من.