يغلظ في غيره بالإيمان في الرقبة والتتابع في الصيام ، وهذا كما يقولون : إن ضرب التعزير أشد من ضرب حد الزنا وحد شرب الخمر وغيره ؛ لأن جرم فعل التعزير ربما يبلغ جرم الزنا أو يجاوز ، وهو أن يخنق آخر مرة أو مرتين ، لا شك أن حرمته أعظم من حرمة من قذف آخر ، أو شرب قطرة من خمر ؛ فغلظ فيه وشدد ؛ لما ذكرنا ، فعلى ذلك شرط الإيمان في العتاق في كفارة القتل ، والتتابع في الصوم ؛ تغليظا وتشديدا للمعنى الذي ذكرنا ، وهو أن يقتله قتل شبه العمد ؛ أي : عمد القصد ، خطأ الحكم ، ألا ترى أنه غلظ في الدية في شبه العمد ولم يغلظ في غيره.
وروي [عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ](١) أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قتيل السّوط والعصا فيه الدّية مغلّظة» (٢).
وعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كلّ شيء خطأ إلّا السّيف والحديد ، ولكلّ خطأ أرش» (٣).
ذكر الله ـ تعالى ـ قتل الخطأ والعمد ، فبين حكمهما ، ولم يذكر غيرهما في كتابه ، لكنا عرفنا قبل شبه العمد والحكم فيه بما روينا من خبر ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحديث النعمان عنه صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «ألا إنّ قتيل خطأ العمد قتيل السّوط والعصا ، ففيه الدّية مغلظة : ثلاثون جذعة ، وثلاثون حقّة ، وأربعون ما بين ثنيّة إلى بازل عامها ، كلّها خلفة» (٤).
واختلف الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ :
روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ ما ذكرنا من الخبر المرفوع أثلاثا.
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ قريبا منه أثلاثا.
وعن أبي موسى الأشعري والمغيرة ما روينا من الخبر المرفوع أثلاثا.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في شبه العمد أرباعا : خمسة وعشرين حقة ، وخمسة وعشرين جذعة ، وخمسة وعشرين بنات لبون ، وخمسة وعشرين بنات مخاض.
__________________
(١) في ب : من غيره.
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٢ / ١١) ، وأبو داود (٤ / ٦٨٤) ، كتاب الديات : باب في دية الخطأ (٤٥٤٩) ، والنسائي (٨ / ٤٢) ، كتاب القسامة : باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء ، وابن ماجه (٢ / ٨٧٨) كتاب الديات : باب دية شبه العمد (٢٦٢٨) ، والدارقطني (٣ / ١٠٥) ، كتاب الديات (٨٠) ، بلفظ : «ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا ـ دية مغلظة منها أربعون في بطونها أولادها» يعني : مائة من الإبل.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.