وقيل : أمر من يرث أن يرضخ ويعطي لمن لا يرث شيئا ، وهو قول الحسن (١) ، ويقال لهم : (قَوْلاً مَعْرُوفاً).
والقول المعروف يحتمل ما ذكرنا : أن يعطى لهم إن كانوا كبارا ـ أعني : الورثة ـ ويعد لهم عدة إن كان المال ضياعا إلى وقت خروج الأنزال والغلات ، أو إلى وقت خروج الثمر ، أو يعطي الورثة إن كانوا كبارا ويعتذر إليهم الوصي إن كانوا صغارا.
وقوله ـ جل وعزّ ـ : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ)
قيل : هو الرجل يحضره الموت ، وله ولد صغار ، فيقول له آخر : أوص بكذا ، أو أعتق كذا ، أو افعل كذا ، ولو كان هو الميت لأحب أن يترك لولده ؛ فخوف هذا القائل بقوله : (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) ، وأمر أن يقول له مثل ما يحب أن يقال له في ولده بالعدل بقوله ـ عزوجل ـ : (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه (٢).
وقيل : هو الرجل يحضره الموت ، فيقول له من يحضره : اتق الله ، وأمسك عليك لولدك الصغار والضعفاء ، ليس أحد أحق بمالك منهم ، ولا توص [من مالك](٣) شيئا. فنهي أن يقال له ذلك ؛ لما لو كان هو الموصي ، وله ورثة صغار ضعفاء ، أحبّ بألّا يقال له ذلك ؛ فكذلك لا يقول هو له (٤). والأول أشبه (٥).
وقوله : (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً).
قيل : عدلا ؛ يأمر أن يوصي بما عليه من الدّين والوصية ، ولا يجور في الوصية (٦).
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ١٤) رقم (٨٦٩٦) عن أبي العالية والحسن.
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ١٩) (٨٧٠٨) ، والبيهقي في السنن (٦ / ٢٧٠ ـ ٢٧١) ، وابن أبي حاتم في الدر (٢ / ٢٢٠).
(٣) في ب : بمالك.
(٤) قال بنحوه سعيد بن جبير ، أخرجه عنه الطبري (٨ / ٢١) (٨٧١٣ ، ٨٧١٤).
(٥) قال القرطبي (٥ / ٣٥) : هذان القولان مبنيان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث ، وقد روي هذا عن سعيد بن جبير وابن المسيب.
قال ابن عطية : وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس ؛ بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد ، ولآخر : القول الثاني.
وقال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٤٧) : وفي الآية إشارة إلى إرشاد الآباء ، الذين يخشون ترك ذرية ضعاف ، بالتقوى في سائر شئونهم حتى تحفظ أبناؤهم ، وتغاث بالعناية منه تعالى. ويكون في إشعارها تهديد بضياع أولادهم إن فقدوا تقوى الله تعالى. وإشارة إلى أن تقوى الأصول تحفظ الفروع. وأن الرجال الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف. كما في آية : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) [الكهف : ٨٢] ، إلى آخرها. فإن الغلامين حفظا ، ببركة صلاح أبيهما ، في أنفسهما ومالهما.
(٦) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه عنه ابن أبي حاتم ؛ كما في الدر المنثور (٢ / ٢٢٠).