يحتمل إضمار التوبة ؛ لأن الشرك مما (١) : يغفر بالتوبة ؛ فبطل قولهم.
وفيه بطلان قول من يبطل المغفرة في الكبائر بلا توبة ؛ لأن الله ـ تعالى ـ جعل لنفسه مشيئة المغفرة ، وذلك فيما في الحكمة دفعه سفه ؛ فلزم الذي ذكرنا الفريقين جميعا.
ثم الذي ينقض قول الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الصغائر ـ ما بلى بها الأنبياء والأولياء ؛ وما يكفر صاحبه ـ يسقط النبوة والولاية ، ومن كان وصف إيمانه بالأنبياء ـ عليهمالسلام ـ هذا ؛ فهو كافر بهم.
وعلى المعتزلة في ذلك أن الله وصف الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ بالدعاء له تضرعا وخيفة ، وخوفا وطمعا ، وبكائهم على ما كان منهم من الزلات وتضرعهم إليه ؛ حتى أجيبوا في دعائهم ، ولو لم يكن ذنوبهم بحيث يحتمل التعذيب عليها في الحكمة ، لكان في ذلك تعدى الحد والوصف بالجور والتعوذ به ، وذلك أعظم من الزلات.
فهذا ينقض قول المعتزلة في إثبات المغفرة في الصغائر ، وإخراج فعل التعذيب عن الحكمة ، وقول الخوارج بإزالة اسم الإيمان بها ، ولا عصمة إلا بالله.
ثم قوله : (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ـ يحتمل : الشرك في الاعتقاد ، وهو أن يشرك غيره في ربوبيته وألوهيته ، وبين أن يشرك غيره في عبادته ؛ ألا ترى أنه قال : ـ عزوجل ـ : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [الكهف : ١١٠] ثم قال الله ـ تعالى ـ في آخره : (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف : ١١٠] : جعل الإشراك في الألوهية والربوبية ، والإشراك في العبادة واحدا ؛ كله شرك بالله (٢) ، وبالله التوفيق.
ثم قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) لا يحتمل ما قالت المعتزلة : إنه وعد المغفرة فيما يشاء (٣) ، ثم بين ذلك في الصغائر بقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١] وقد ثبت الوعيد في الكبائر ؛ بقي الوعد بحقه لم يزل بالذي ذكر لاحتماله.
وقيل : قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) كناية عن الأنفس المغفورات ، لا عن الآثام والأجرام التي تغفر ، لم (٤) يجز صرف التخصيص إلى الآثام بالآية المكنى بها عن الأنفس ؛ لأنه لم يقل : ما شاء ، ولكن قال ـ عزوجل ـ : (لِمَنْ يَشاءُ) ؛ فذلك كناية عن الأنفس.
وفي آيات الوعيد تحقيق في الذين جاء بهم ، وفيما جاء على ما قيل : لا صرف في
__________________
(١) في ب : قد.
(٢) في ب : به.
(٣) في ب : شاء.
(٤) في ب : لمن.