التي فيها ذكر المواريث ـ فسر بها مبلغ النصيب الذي أوجبه الله للنساء والرجال في الآية الأولى مجملا ، وأجمعوا أن الرجل إذا مات وترك ولدا ذكورا وإناثا ؛ فالمال بينهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(١).
ويحتمل قوله : (فِي أَوْلادِكُمْ) ـ أولاد موتاكم ، وهذا جائز في اللغة ؛ لأنه لا يجوز أن يفرض على الرجل قسمة الميراث في أولاده وهو حي ؛ دلّ أنه أراد أولاد الموتى.
أو يحتمل ما ذكرنا أنهم كانوا لا يورثون الإناث من الأولاد والصغار منهم ؛ فخاطب الجملة بذلك ؛ لئلا يحرموا الإناث من الأولاد والصغار منهم.
وفي قوله ـ أيضا ـ : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، أي : في أولاد من مات منكم ؛ إذ لا يحتمل خطاب الحي ما ذكر في ولده ؛ فهذا إن كان تأويل «يوصى» : يفرض أو يأمر.
وإن كان تأويل ذلك : يبيّن ، فذلك جائز أن يخبر الحي ما بيّن الله في أولاده بعد موته في ماله ، وذلك يمنع الوصية ؛ لأنه يزيل حق البيان ، ولما يمكن رفع القسمة وتحصيل الوصية على بعض لبعض ، وذلك بعيد ؛ إذ لا يملك في غيرهم.
ثم من الناس من رأي نسخ الوصية للوارث بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ...) الآية [النساء : ٧] ؛ لأن الآية أوجبت الميراث فيما قل أو كثر ، فلو كانت الوصية تجب للوالدين بقوله ـ تعالى ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ...) الآية [البقرة : ١٨٠] ، لكان الميراث لا يجب فيما قل منه ، وإنما يجب فيما يفضل منه ، لكن الآية إذا لم تمنع الوصية للأجنبي وهي تصرف السهم المفروض إلى ما يفضل من الوصية ؛ فمثله للوارث ، لكن في الآية دلالة على رفع الكتاب ؛ إذ في الأولى أنها كتبت ، فلما أوجب الحق في كل قليل وكثير لم يبق معه الفرض والوجوب ، ولكن يجب الفضل ، ثم كان حق الوالدين ومن ذكر بحق اللزوم ، وقد سقط ذلك ، وبه كان يجوز ، فلما سقط الحق جاء في الخبر أن «لا وصيّة للوارث» (٢).
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ؛ فلا وصيّة للوارث» (٣) ؛ فسقط الحق بالآية من الوجه الذي ثبت ، والتنفل بقوله : «لا وصية ...».
فمن هذا الوجه الذي ذكرت يسقط حق الوصية بالقرآن ، لكن قد ذكر للمرأة لا بحرف الوجوب بقوله : (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) [البقرة : ٢٤٠] ثم سقط ـ أيضا ـ بالخبر [الذي
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي (٩ / ١٦٥).
(٢) تقدم قريبا.
(٣) تقدم ، وانظر السابق.