بل ينقطع عن قريب ، والله أعلم.
ويحتمل : (يَتَرَبَّصُونَ) ما ذكر من قوله ـ تعالى ـ : (وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ) [الحديد : ١٤] ، ثم خرج تأويله في قوله : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) [المائدة : ٥٢] ، ثم خص ذلك بقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) الآية [التوبة : ٩٨] ؛ فبين أنهم يتربصون بهم انقلاب الأمر ورجوعه إلى أعداء الله ؛ فمتى ظهرت لهم العواقب ـ أظهروا الذي له كان دينهم في الحقيقة ـ أنه كان لسعة الدنيا ونعيمها ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ ...) الآية [النساء : ٧٢] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية [الحج : ١١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ...) الآية.
يحتمل هذا ـ أيضا ـ وجهين :
يحتمل : لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا في الحجج (١) في الدنيا ، أي : ليس للكافرين الحجة على المؤمنين في الدنيا من شيء ، إلا أن يموه عليه ، ويفتعل به [و] يعجز المؤمن في إقامة الحجة عليه ، ودفع تمويهاته ؛ وإلا ليس للكافر حجة يقيمها على المؤمن في الدنيا.
ويحتمل : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) في الآخرة ، على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم ؛ لأن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم يشهدون عليهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] ثم لا سبيل لهم على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم ، وردّها ، والله أعلم.
وأيضا : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) : في الحجة ، أو في الشهادة ، أو عند الله في الخصومة ، وإنما دعوا إلى كتبهم إذا أجابوا الله فيما دعاهم إلى الإيمان بالكتب والرسل ـ عليهمالسلام ـ أو في النصر ؛ فيرجع أمره إلى العواقب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ)
الاستحواذ : الغلبة (٢). وقيل : الاستيلاء (٣).
__________________
(١) في ب : الحج.
(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير (٩ / ٣٢٥) (١٠٧١٢) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٦) ، والبغوي في تفسيره (١ / ٤٩١).
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٩١) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٨١).