[الأنعام : ٦٩] في المشركين ، لم يلحقهم من العقوبة والمآثم ؛ لأنهم لا يقدرون على منع المشركين عن الاستهزاء بآيات الله والطعن فيها ، ويقدرون على منع المنافقين عن ذلك ؛ فشاركوهم في العقوبة فيما يقدرون على منعهم فلم يمنعوا ، ورفع عنهم ذلك فيما لا يقدرون على دفعه.
وفيه دلالة أن من بلي بمنكر له قدرة التغيير على أهله ، فلم يغير ـ أن يشاركهم في ذلك ، أو إذا لم يكن له قدرة التغيير عليهم فلم يفارقهم ، لكن أقام معهم ـ شاركهم أيضا في العقوبة ؛ الواجب على كل من بلي بذلك ، وله قدرة التغيير عليهم ـ فعل ، أي : أنكر عليهم وغيّره ، وإلا فارقهم ؛ وإلا يخاف أن يشاركهم في العقوبة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) الآية.
لأنهم كانوا معهم في السر والحقيقة ، وإن كانوا يظهرون للمؤمنين الموافقة باللسان ؛ فهذا يدل على أن الحقائق في العواقب هو ما يسر المرء ويضمر ، ليس ما يظهر ؛ لأن المنافقين كانوا مع المؤمنين في الظاهر في جميع الأحكام : في الأنكحة ، والعقود كلها ، وإظهار الإيمان لهم باللسان ، لكنهم إذا أضمروا خلاف ما أظهروا ـ لم ينفعهم ذلك ؛ دل أن الحقائق في العواقب (١) ما يسر ويضمر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ).
يحتمل وجهين :
يحتمل : يتربصون الغنيمة والنصر ، فإن كان الفتح للمؤمنين قالوا : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الإيمان والأحكام كلها ؛ يطلبون الغنيمة والاشتراك (٢) فيها ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) الآية [الأحزاب : ١٨] ، وإذا كانت الدبرة والبوار على المؤمنين للكافرين يقولون : (قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بقولهم : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) [آل عمران : ١٧٣] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) الآية [الأحزاب : ١٨] : كانوا بين المسلمين كعيون لهم ؛ يخبرونهم عن عوراتهم ، ويطلعونهم على مقصود المؤمنين ؛ فذلك منعهم من (٣) المؤمنين واستحواذهم عليهم ، والله أعلم.
ويحتمل : (يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) ، يعني : أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه عندهم بألا يدوم ذلك ،
__________________
(١) في أ : العقوبات.
(٢) في ب : الإشراك.
(٣) في الأصول : على.