سيئة ، وإن لم تكن الثانية ـ في الحقيقة ـ سيئة ، وكذلك سمى جزاء الاعتداء : اعتداء ، وإن لم يكن الثاني اعتداء ؛ فعلى ذلك سمى هذا : خداعا ؛ لأنه جزاء الخداع ، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه ؛ على ما ذكرنا ، والله أعلم.
ثم اختلف في جهة الخداع ؛ عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : يعطى المنافقين على الصراط نورا كما يعطى المؤمنين ؛ فإذا مضوا به على الصراط طفئ نورهم ، ويبقى نور المؤمنين يمضون بنورهم ؛ فينادون المؤمنين : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد : ١٣] فنجوز به ؛ فتناديهم الملائكة : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) ، وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع ؛ فذلك قوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) وكذلك قال الحسن (١) ، ثم قال : فتلك خديعة الله إياهم.
وقال آخرون : يفتح لهم باب من أبواب الجنة ؛ فإذا رأوا ذلك قصدوا ذلك الباب ، فلما دنوا منه أغلق دونهم ، ذلك الخداع ، والله أعلم.
ويحتمل وجها آخر : وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها ، والتمتع والتقلب فيها ؛ فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها ؛ فيحرمون ذلك ، فذلك الخديعة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ ...) الآية.
جعل الله ـ تعالى ـ للمنافق أعلاما في قوله وفعله يعلم بها المنافق :
أما في القول : ما قالوا : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) [آل عمران : ١٧٣] ، وقوله : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [النساء : ٧٢] ، وقوله ـ تعالى ـ : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا ...) الآية [الأحزاب : ١٨].
وأما في الفعل فهو قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) ، وقوله : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ١٨] أي القتال ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ...) الآية [الأحزاب : ١٩] ، ومثله كثير في القرآن ، مما جعل ذلك علامة لهم ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ...) الآية [المنافقون : ٤] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ...) الآية [التوبة : ١٢٧] يراءون في جميع أفعالهم ـ الناس.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣٣٠) (١٠٧٢٣) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٧) وزاد نسبته لابن المنذر.