وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)
الدرك : بالجزم والفتح ـ لغتان ، وهما واحد ؛ يقال : للجنة درجات وغرفات ، وللنار دركات بعضها أسفل من بعض.
وقيل : كلما كان أسفل ـ كان العذاب فيها أشد ؛ ألا ترى أنه أخبر عنهم بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت : ٢٩] فلو لم يكن من أسفل منهم في الدركات أشد عذابا ـ لم يكن لقولهم : (نَجْعَلْهُما تَحْتَ) [فصلت : ٢٩] معنى ؛ فدل أن كل ما كان أسفل من الدركات ـ كان في العذاب أشد ، والله أعلم.
وذكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم ذكر عبد المطلب وهشام بن المغيرة فقال : «هما من أدنى أهل النّار عذابا ، وهما في ضحضاح من النّار خالدين فيها ، وأدنى أهل النّار عذابا : فى رجليه نعلان من نار يغلى بهما دماغه» (١).
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : قال : الأدراك : توابيت من حديد تصمت عليهم في أسفل النار (٢).
وقيل : إن العذاب في النار واحد في الظاهر ، وهو مختلف في الحقيقة ؛ وأيد ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] لكن بعضهم لا يشعر بعذاب غيرهم ؛ كقوله : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ) [الأعراف : ٣٨] سألوا ربهم أن يجعل لهم ضعفا من العذاب ؛ جزاء ما أضلوا ، فأخبر أن لكل ضعفا من الأئمة.
ثم لتخصيص (٣) المنافقين في الدرك الأسفل من النار دون سائر الكفرة وجوه ثلاثة :
أحدها : أنهم كانوا يسعون في إفساد ضعفة المسلمين (٤) ، ويشككونهم في دينهم ، ويتكلفون في إخراجهم من الإيمان ، وكان ذلك (٥) دأبهم وعادتهم ؛ فاستوجبوا بذلك ـ
__________________
(١) لم أجده بهذا اللفظ ، ولكن أخرجه كل من :
مسلم في صحيحه (١ / ١٩٤ ـ ١٩٥) كتاب الأيمان : باب شفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (٣٥٧ / ٢٠٩) ، والحميدي في مسنده (٤٦٠) ، وأحمد في المسند (١ / ٢٠٦ ، ٢١٠) بلفظ : «هو في ضحضاح من نار ، ولو لا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النار» واللفظ لمسلم.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٩ / ٣٣٨) رقم (١٠٧٤١) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٩) ، وعزاه للفريابي وابن أبي شيبة وهناد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في صفة النار.
(٣) في ب : تخصيص.
(٤) في ب : المؤمنين.
(٥) في ب : كذلك.