ذلك العذاب ؛ جزاء لإفسادهم ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون ذلك لهم ؛ لأنهم كانوا عيونا للكفرة ، وطلائع لهم ، يخبرون بذلك عن أخبارهم وسرائرهم ، ويطلعون على عوراتهم ، فذلك سعى في أمر دينهم ودنياهم بالفساد ؛ كقوله : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) الآية [النساء : ١٤١].
ويحتمل وجها آخر : وهو أنهم لم يكونوا في الأحوال كلها أهل دين يقيمون عليه في حال الرخاء والضيق ؛ ولكن كانوا مع السعة والرخاء حيث كان ، ولا كذلك سائر الكفرة ، بل كانوا في حال الرخاء والشدة على دين واحد : يعبدون الأصنام ، وأولئك مع المؤمنين في حال إذا كانت السعة معهم ، ومع الكافرين في حال إذا كانت السعة معهم ، لا يقرون على شيء واحد ، مترددون بين ذلك ؛ كما قال الله ـ عزوجل ـ : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) الآية [النساء : ١٤٣] ، والكفرة عبدوا من عبدوا ؛ على رجاء التقريب إلى الله ، وأمر الله ـ تعالى ـ لهم بذلك ؛ ليكونوا لهم شفعاء عند الله ، وأهل النفاق لم يكونوا يعبدون غير بطونهم ومن معه شهواتهم ؛ فلذلك ازداد عذابهم على عذاب غيرهم ، ولما (١) جمعوا إلى الكفر بالله ـ المخادعة والتغرير وإغراء الأعداء واستعلاءهم ، ولما قد أشركوا (٢) الفرق كلهم في اللذات وفي طلب الشهوات ؛ فعاد إليهم ما استحق كل منهم من العقوبة ، وبما بذلك شاركوا في كل المعاصي ، أو سبيلها إعطاء الأنفس الشهوات مع ما فيهم تغرير ضعفة المؤمنين ، والتلبيس عليهم ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا ...) [النساء : ١٤٦].
عن ابن عباس قال : (تابُوا) من النفاق ، و (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم ، و (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) ، ويقول : وثقوا بالله (٣).
وقيل : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
يقول : من المؤمنين ، أي : صاروا كسائر المؤمنين (٤).
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وأبي : «إلا الذين تابوا ، ثم آمنوا بالله والرسول والكتاب الذي أنزل إليه من ربه وما أنزل إلى النبيين من قبل ، ثم أخلصوا دينهم
__________________
(١) في ب : لما هم.
(٢) في ب : اشتركوا.
(٣) ينظر : تفسير الطبري (٩ / ٣٤٠ ، ٣٤١) ، البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٣٩٦) ، اللباب لابن عادل (٧ / ٩٣).
(٤) في ب : المسلمين.