وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ).
أي : الصدق.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) يقول : لا تقولوا لله ـ تعالى ـ ولد ولا صاحبة (١).
وفي حرف حفصة ـ رضي الله عنها ـ : «ولا تقولوا : الله ثالث ثلاثة ؛ إنما هو إله واحد».
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ)
الخطاب بقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) في حقيقة المعنى ـ للخلق كلهم ؛ لأن [على كل](٢) الخلائق ألا يغلوا في دينهم ، وهو في الظاهر في أهل الكتاب ، والمقصود منه النصارى دون غيرهم من أهل الكتاب ؛ حتى يعلم أن ليس في مخرج عموم اللفظ دليل عموم المراد ، ولا في مخرج خصوصه دليل خصوصه ؛ ولكن قد يراد بعموم اللفظ : الخصوص ، وبخصوص اللفظ : العموم ؛ فيبطل به قول من يعتقد بعموم اللفظ عموم المراد ، وبخصوص اللفظ خصوصه.
ثم افترقت النصارى على ثلاث فرق في عيسى صلىاللهعليهوسلم بعد اتفاقهم على أنه ابن مريم : قال بعضهم : هو إله ، ومنهم من يقول : هو ابن الإله (٣) ، ومنهم من يقول : هو ثالث ثلاثة : الرب ، والمسيح ، وأمّه ؛ فأكذبهم الله ـ عزوجل ـ في قولهم ، وأخبر أنه رسول الله ابن مريم ، ولو كان هو إلها لكانت أمه أحق أن تكون إلها ؛ لأن أمه كانت قبل عيسى ـ عليهالسلام ـ ومن كان قبل ، أحق بذلك ممن يكون من بعد ، ولأن من اتخذ الولد إنما يتخذ من جوهره ، لا يتخذ من غير جوهره ؛ فلو كان ممن يجوز أن يتخذ ولدا ـ لم يتخذ من جوهر البشر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا ...) [الأنبياء : ١٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)
قال بعضهم : كلمته : أن قال له : كن ؛ فكان. لكن الخلائق كلهم في هذا كعيسى ؛ لأن كل الخلائق إنما كانوا بقوله ـ عزوجل ـ : كن ؛ فكان (٤) ؛ فليس لعيسى ـ عليهالسلام ـ في
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط (٣ / ٤١٦ ، ٤١٧).
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : إله.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (٩ / ٤١٩) رقم (١٠٨٥٤) عن قتادة.