ذلك خصوصية.
وأصله أنه سمى كلمة الله لما ألقاها إلى مريم ، ولا ندري أية كلمة كانت ؛ وإنما خلقه بكلمته (١) التي ألقاها إليها ؛ فسمي بذلك ، كما خلق آدم من تراب ؛ فنسب إليه ، وحواء خلقها من ضلع آدم ؛ فنسبها إليه ، وسائر الخلائق خلقهم من النطفة ؛ فنسبهم إليها ؛ فعلى ذلك عيسى ، لما خلقه بكلمة ألقاها إليها ـ نسب إليه ، لكن في آدم وغيره من الخلائق ذكر فيهم التغيير من حال إلى حال ، ولم يذكر ذلك في عيسى ؛ فيحتمل أن يكون له الخصوصية بذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرُوحٌ مِنْهُ) [كقوله ـ تعالى ـ :](٢)(فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] فسمي لذلك روحا ؛ لما به كان يحيى الموتى ؛ ألا ترى أنه سمى القرآن روحا ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢]
سماه روحا ؛ لما به يحيي القلوب ، كما يحيي الأبدان بالأرواح (٣).
وقيل : (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي : أحياه الله وجعله روحا (٤).
وقيل : (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي : رسولا منه.
وقيل : (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي : أمر منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ ...)
لأن الرسل كلهم لم يدعوكم إلى الذي أنتم عليه أنه ثالث ثلاثة ؛ إنما دعاكم الرسل أنه الله إله واحد لا شريك له ولا ولد.
(انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ).
بما ذكرنا بالآية الأولى.
وقوله : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) بالرفع ، أي : لا تقولوا : هو ثلاثة (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)
نزه نفسه عن عظيم ما قالوا فيه بأن له ولدا ، ثم أخبر أن له ما في السموات وما في الأرض ؛ وإنما يتّخذ الولد لإحدى خصال ثلاث : إما لحاجة تمسه ؛ فيدفعها به عن نفسه ، أو لوحشة تصيبه ؛ فيستأنس به ، أو لخوف غلبة العدو ؛ فيستنصر به ويقهره ، أو لما يخاف
__________________
(١) في ب : بكلمة.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : كقولنا.
(٣) في أ : بالروح.
(٤) ينظر : تفسير الطبري (٩ / ٤٢١).
(٥) ينظر : تفسير الطبري (٩ / ٤٢٢).