الهلاك ؛ فيتخذ الولد ليرث ملكه.
فإذا كان الله ـ سبحانه ـ يتعالى عن أن تمسه حاجة أو تصيبه وحشة ، أو لملكه زوال ـ يتعالى عن أن يتخذ ولدا وهو عبده.
(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً). قيل : حافظا. وقيل : شهيدا.
وقيل : الوكيل : هو القائم في الأمور كلها (١) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ).
تكلم الناس في هذه الآية : قال الحسن : فيه دليل تفضيل الملائكة على البشر ؛ لأنه قال ـ عزوجل ـ : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) ؛ لأن الثاني يخرج مخرج التأكيد للأول ، وأبدا إنما يذكر ما به يؤكد ؛ إذا كان أفضل منه وأرفع ، لا يكون التأكيد بمثله ولا بما دونه ؛ كما يقال : لا يقدر أن يحمل هذه الخشبة واحد ولا عشرة ، ولا يعمل هذا العمل واحد ولا عدد ؛ فهو على التأكيد يقال ؛ فعلى ذلك الأول : خرج ذكر الملائكة على أثر ذكر المسيح ؛ على التأكيد ، وأبدا إنما يقع التأكيد بما هو أكبر (٢) ، لا بما دونه.
والثاني : قال : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] ، وقال ـ عزوجل ـ : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] ، وقالوا (٣) : فكيف يستوى حال من يعصى مع حال من لا يعصى؟! وحال من لا يفتر عن عبادته طرفة عين مع حال من يرتكب المناهي؟!
والثالث : ما قال الله ـ تعالى ـ حكاية عن إبليس ؛ حيث قال لآدم وحواء ـ عليهماالسلام ـ (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠].
لو لم يكن للملائكة فضل عندهم ومنزلة ـ ليس ذلك للبشر ـ لم يكن إبليس بالذي يغرهما بذلك الملك والوعد لهما أنهما يصيران ملكين ، ولا كان آدم وحواء بالذين يغتران بذلك ـ دل أن الملك أفضل من البشر.
والرابع : أن الأنبياء ـ صلى الله عليهم وسلم ـ ما استغفروا لأحد ، إلا بدءوا بالاستغفار لأنفسهم ثم لغيرهم من المؤمنين ؛ كقول نوح صلىاللهعليهوسلم : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ ...) الآية
__________________
(١) ينظر : تفسير الطبري (٩ / ٤٢٤).
(٢) في ب : أكثر.
(٣) في أ : وقال.