[نوح : ٢٨] ، وكقول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [إبراهيم : ٤١] ، وما أمر [الله](١) ـ عزوجل ـ نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بالاستغفار ؛ فقال : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) الآية [محمد : ١٩] وقال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] وما أمر بذلك ، وما فعلوا ذلك ؛ إلا ما يحتمل ذلك فيهم.
والملائكة لم يستغفروا لأنفسهم ؛ ولكنهم طلبوا المغفرة للمؤمنين من البشر ؛ كقوله : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [غافر : ٧] وإلى هذا ذهب بعض الناس (٢) : بتفضيلهم الملائكة على البشر.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) قال عامة أهل السنة والجماعة : المسلمون من بني آدم أفضل من الملائكة.
وقال «القدرية» و «المعتزلة» بأجمعهم : الملائكة أفضل من بنى آدم حتى صنفوا في هذه المسألة تصانيف كثيرة ، فرأيت «لجعفر بن حرب» ـ وهو من رؤساء «القدرية» و «المعتزلة» في تفضيل الملائكة على بني آدم ـ كتابا كبيرا يبلغ عشرين جزءا.
وجه قول «القدرية» و «المعتزلة» ـ قول الله ـ تعالى ـ خبرا عن إبليس عليه اللعنة ، أنه قال لآدم ـ صلوات الله عليه ـ ولزوجه : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)[الأعراف : ٢٠] : رغبهما في تناول الشجرة ؛ ليصيرا ملكين ؛ فلولا أن الملك أفضل من الآدمي ـ لما صح ترغيبه فيه ، وقال الله ـ تعالى ـ : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)[النساء : ١٧٢] ، ومثل هذا الكلام يدل على تفضيل المذكور ثانيا ، على المذكور أولا ؛ على هذا عادات الناس. وقال الله ـ تعالى ـ في شأن الملائكة : (سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)[الأنبياء : ٢٦] ، وقال الله ـ تعالى ـ : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)[التحريم : ٦] وصفهم كلهم بكونهم مكرمين ، ولأن الفضل بالعبادة والتقوى ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)[الحجرات : ١٣] ، والملائكة أعبد لله أو أتقى من بنى آدم ؛ فيكونون أفضل من بني آدم.
والدليل «لأهل السنة والجماعة». قوله الله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)[الإسراء : ٧٠] : أخبر أنه كرم بنى آدم ، وفضلهم على كثير ممن خلق ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)[آل عمران : ٣٣] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ* إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ) إلى قوله (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ)[ص : ٤٥ ـ ٤٧] أخبر أن من بني آدم قوما اصطفاهم الله ـ تعالى ـ ولم يرد مثل هذا في شأن الملائكة ، ولأن الله ـ تعالى ـ وعد الجنة للمؤمنين من بني آدم ، والملك والدرجات العلى في آى كثيرة ، ووعد لهم الرؤية والنظر إليه ؛ على سبيل الكرامة ، وكذلك في الدنيا أعطاهم الملك والملك وأنواع النعم وألحقهم بالأحرار ، ومثل هذا لم يرد في شأن الملائكة ؛ فإن الملائكة يدخلون الجنة زائرين بني آدم ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] ، وهذا دليل آخر يدل على فضل بني آدم على الملائكة حين أمروا بزيارة بني آدم في الجنة.
فإن قيل : الملائكة لهم الجنة كما لبني آدم ، فإن الله ـ تعالى ـ وعد الجنة لمن آمن وعمل عملا صالحا فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)[الكهف : ١٠٧] ، والملائكة شاركوا المسلمين من بني آدم في الإيمان والعمل الصالح ؛ فيدخلون معهم في الوعد ، ولأن سبب ـ