وقال الحسن : هي الإبل والبقر والغنم (١).
وقال آخرون (٢) : البهيمة : كل مركوب.
لكن عندنا (٣) : كل مأكول من الغنم ، والوحش ، والصيد ، وغيره ، وإن لم يذكر.
دليله ، ما استثنى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ؛ كأنه قال : أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد إلا ما يتلى عليكم من (الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ) الآية [المائدة : ٣] (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)
دل قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) على أن الصيد فيه كالمذكور ، وإن لم يذكر ؛ لأنه استثنى الصيد منه ، وأبدا : إنما يستثنى الشيء من الشيء إذا كان فيه ذلك ، وأما إذا لم يكن ؛ فلا معنى للاستثناء ، فإذا استثنى الصيد دل الاستثناء على أن الصيد فيه ، وإن لم يذكر.
ودل قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] على أن النهي كان عن الاصطياد في حال الإحرام لا (٤) عن أكله ؛ لأن للمحرم أن يأكل صيدا صاده حلال.
ودل قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) على أن الصيد قد دخل في قوله : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) على ما ذكرنا فيما تقدم : أن البيان في الجواب يدل على كونه في السؤال ، وإن لم يكن مذكورا في السؤال ؛ فعلى ذلك تدل الثنيا من الصيد على كونه فيه ، والله أعلم.
ويحتمل (بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) الثمانية الأزواج التي ذكرها في سورة الأنعام : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ...) إلى آخر ما ذكر [الأنعام : ١٤٣].
والآية تدل على أن الذي أحل من البهائم ـ الأنعام منها ـ ثمانية ؛ دل عليه قوله : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [النحل : ٥] ثم قال : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٨] ؛ ففصل بين الأنعام وبين الخيل والبغال والحمير ؛ [فالخيل والبغال والحمير] خلقها للركوب ، والأنعام للأكل.
وقوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)
كأنه قال : أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد ، (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) : يحتمل : يتلى على الوعد ، أي : يتلى عليكم من بعد ما ذكر على أثره : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ...) إلى آخره [المائدة : ٣] ، ويحتمل : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) وهو ما ذكر.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٩ / ٤٥٥) ، رقم (١٠٩١٥) ، وعبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور (٢ / ٤٤٨).
(٢) في ب : غيره.
(٣) أي : في مذهب الحنفية.
(٤) في أ : ولا.