وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «إلا ما يتلى عليكم فيها» ، في سورة الأنعام : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...) إلى آخره [الأنعام : ١٤٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ)
هذا ـ والله أعلم ـ أي : إلى الله الحكم ، يحكم بما شاء من التحريم والتحليل ، فيما شاء ، على ما شاء ، ليس إليكم التحكم عليه ، وهذا ينقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : يريد طاعة كل أحد ، ولو أراد ذلك لحكم ؛ لأنه أخبر أنه يحكم ما يريد ، ولا جائز أن يريد ولا يحكم ؛ فدل أنه : لم يرد ؛ لأنه لو أراد لحكم ، وبالله العصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : كان المشركون يحجون البيت الحرام ، ويهدون الهدايا ، ويعظمون حرمة المشاعر ، وينحرون في حجهم ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) ، يعني : لا تستحلوا قتالا فيه ، (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ...)(١) الآية.
وقال غيره : قوله : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) ، يعني : المناسك ، لا تستحلوا ترك شعائر الله (٢) ، والشعائر هن المناسك ؛ ألا ترى أن الله ـ تعالى ـ سمي كل منسك (٣) من الحج شعائر الله؟! كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) [البقرة : ١٥٨] ، وقال : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) [الحج : ٣٦] ، كل هذا من شعائر الله ، وهن معالم الله في الحج.
وقيل : شعائر الله : فرائض الله ؛ كأنه قال : لا تستحلوا ترك ما فرض الله عليكم (٤).
وقال الحسن : (شَعائِرَ اللهِ) : قال : دين الله (٥) ، وهو واحد.
وقيل في قوله : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ...) حتى بلغ (الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) [المائدة : ٩٧] ، فقال : حواجز أبقاها (٦) الله بين الناس في الجاهلية ؛ فكان الرجل لو جر
__________________
(١) أخرجه الطبري (٩ / ٤٦٣) رقم (١٠٩٤١) وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٤٩).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه عنه الطبري (٩ / ٤٦٣) رقم (١٠٩٤٠).
(٣) في ب : نسك.
(٤) أخرج الطبري (٩ / ٤٦٢) ، رقم (١٠٩٣٨) عن عطاء : أنه سئل عن «شعائر الله» ؛ فقال : حرمات الله : اجتناب سخط الله ، واتباع طاعته ، فذلك شعائر الله. وأخرجه ابن المنذر أيضا كما في الدر المنثور (٢ / ٤٥٠) ، وهو أولى التأويلات ، قاله الطبري.
(٥) ينظر : الوسيط في تفسير القرآن المجيد (١ / ٢٤٣).
(٦) في الأصول : أبقاه.