بكفرهم ، والفساق غير متدينين بفسقهم. وكذلك فرقهم بين ما يغلب عليه المشركون من أموال المسلمين ، وبين ما يغلب عليه الفساق من أموال المسلمين. وكذلك سبيل الدماء التي يصيبها المحاربون من أهل البغي من أهل العدل ، لا تشبه ما يصيبه الفساق منها ؛ لأن أمر المتدين بدين خطأ مخالف في الحكم أمر المقر بالذنب فيه ؛ ألا ترى أنه يجوز أن يطلق لمن يعاقدونه من أهل الكتاب الصلاة في كنائسهم ، وإن كان ذلك عندنا معصية حراما ، ولا يجوز أن يطلق المعصية لفساق المسلمين بحال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ) :
أي : نقمة الله وعذابه : في ترك ما أمركم (١) به ، وارتكاب ما نهاكم عنه.
(إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) : أي : لا يحملنكم بغض قوم ؛ لصدهم إياكم عن البيت الحرام ؛ فتأثموا فيهم : أن تعتدوا ؛ فتقتلوهم ، وتأخذوا أموالهم (٢).
وقال : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) البر : ما أمرت به ، والتقوى : الكف عما نهيت عنه (٣).
وقال : والعدوان : هو المجاوزة عن حد الله الذي حده لعباده (٤).
وقوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) : قال بعضهم : لا يؤثمنكم بغض قوم أن تعتدوا (٥).
وقال آخرون : لا يحملنكم (٦).
وفيه لغتان : (يَجْرِمَنَّكُمْ) برفع الياء ، وبنصبها : (يَجْرِمَنَّكُمْ) ، وهو ما ذكرنا (٧).
__________________
ـ الشهادة.
والذي يظهر لنا : أن شهادة الكفار بعضهم على بعض جائزة ، سواء اتفقت الملة أو اختلفت.
ينظر : المبسوط للسرخي (١٦ / ٣٣) ، تبيين الحقائق للزيلعي (٢ / ١٢٤) ، وفتح القدير (٦ / ٤١) ، والشرح الكبير للدسوقي (٤ / ٢٦٥) ، كشاف القناع (٤ / ١٥٢) ، فتاوى ابن تيمية (٤ / ٢١٢).
(١) في أ : ما أمرهم.
(٢) أخرجه الطبري عنه مختصرا (٩ / ٤٨٧) ، برقمى (١٠٩٩٣ ، ١٠٩٩٤).
(٣) أخرجه الطبري عنه (٩ / ٤٩١) ، رقم (١١٠٠٠).
(٤) وقاله عطاء كما في البحر المحيط (٣ / ٤٣٧).
(٥) قال بنحوه قتادة ، أخرجه عنه الطبري (٩ / ٤٨٧) رقم (١٠٩٩٥).
(٦) قاله ابن عباس ، أخرجه عنه الطبري (٩ / ٤٨٧) برقمي (١٠٩٩٣ ، ١٠٩٩٤) ، وقاله من اللغويين : الفراء في معاني القرآن (١ / ٢٩٩) ، وأبو جعفر النحاس في معاني القرآن الكريم (٢ / ٢٥٣).
(٧) قرأ الجمهور : (يَجْرِمَنَّكُمْ) بفتح الياء من «جرم» ثلاثيّا ، ومعنى «جرم» ـ عند الكسائي وثعلب ـ : حمل ؛ يقال : جرمه على كذا ، أي : حمله عليه ؛ فعلى هذا التفسير يتعدى «جرم» لواحد ، وهو ـ