لأن الجلد ربما يشوى مع اللحم فيؤكل ؛ فهو حرام كاللحم ، إلا أن يدبغ.
ثم في الآية دليل الامتحان من وجهين :
أحدهما : إباحة التناول من جوهر ، وامتحن بحرمة الخنزير والدم لم يحله بسبب ولا بغير سبب ، وامتحن بحل الآخر بسبب ، وحرّم بسبب.
والثاني : امتحن بسبب حل تنفر الطباع عنه ؛ لأن كل ذي روح يتألم بالذبح واستخراج الروح منه ، وجعل طبيعة كل أحد (١) مما ينفر عنه لم يتألم به ؛ لتطيب أنفسهم بذلك ، ثم جعل ما يخرج من الأرض كله حلالا بلا سبب يكتسبون ، إلا ما لا يقدرون على التناول منه ؛ لخوف الهلاك ؛ لأنه موات لا تنفر الطبائع عنه ، ثم جعل أسباب الحل أسبابا يكتسبون مما لا يعمل (٢) في استخراج ذلك الدم المحرم منه حل أكله ، وإذا لم يعمل في استخراج ذلك الدم ؛ فهلك فيه ـ أفسده ؛ لأنه أتلف (٣) فيه ما هو محرم فأفسده ؛ فاستخراج ذلك الدم مما يطيب ذلك ، ويمنع عن الفساد ، إلا في طول الوقت ، والذي هلك فيه الدم يفسد في قليل الوقت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) :
قال الكسائي : (وَما أُهِلَ٤) لِغَيْرِ اللهِ بِهِ)(٥) : أي : ذكر وسمى عليه غير اسم الله ، مشتقة من استهلال الصبي ، ومنه أهلّ الهلال ، وأهل المهل بالحج إذا لبي.
__________________
ـ لقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ)[الإسراء : ٧٠] ، واستثنى الشافعية ـ أيضا ـ : جلد الكلب ، كما استثنى محمد ـ من الحنفية ـ : جلد الفيل ؛ واستدلوا لطهارة جلود الميتة بالدباغة بأحاديث ، منها :
أ ـ قوله صلىاللهعليهوسلم : «أيما إهاب دبغ فقد طهر».
ب ـ وبما روى سلمة بن المحبق : أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة ؛ قالت : ما عندي إلا في قربة لي ميتة ؛ قال : «أليس قد دبغتها؟» قالت : بلى. قال : «فإن دباغها ذكاتها».
ج ـ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : تصدق على مولاة لميمونة بشاة ، فماتت ، فمر بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه ، فانتفعتم به؟!» فقالوا : إنها ميتة ؛ فقال : «إنما حرم أكلها».
ينظر : مغني المحتاج (١ / ٧٨) ، كشاف القناع (١ / ٥٤) ، بدائع الصنائع (١ / ٨٥) ، شرح المهذب (١ / ٢١٦) ، حاشية ابن عابدين (١ / ١٣٦).
(١) في ب : واحد.
(٢) في ب : يعجل.
(٣) في ب : تلف.
(٤) في أ : أل.
(٥) أخرجه الطبري (٩ / ٤٩٥) ، رقم (١١١٠٦) ، وقاله ابن عباس ـ أيضا ـ ، أخرجه عنه الطستي في مسائله ، كما الدر المنثور (٢ / ٤٥٣).