ولم ينكر عبد الرحمن ذلك عليه (١) ، ولا أحد من الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فلو كانوا أهل الكتاب لقال : «هم أهل الكتاب» ، لم يقل : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب».
وكذلك روي عن الحسن بن محمد ، [أنه](٢) قال : كتب رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم إلى مجوس هجر ، فقال : «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، ومن أبى فعليه الجزية ، غير آكلي ذبائحهم ، ولا ناكحي نسائهم» (٣). [و] إلى هذا ذهب أصحابنا ـ رحمهمالله ـ في قولهم : إن المجوس ليسوا بأهل كتاب.
[وأما نصارى بني تغلب (٤) : فإن عليّا ـ رضي الله عنه ـ قال : لا تحل ذبائح نصارى العرب ؛ فإنهم ليسوا بأهل كتاب ، وقرأ] : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ)(٥) [البقرة : ٧٨].
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ تؤكل ، وقرأ : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ...)(٦). والآية الأولى تدل على أنهم أهل كتاب ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ قد جعلهم منهم بقوله : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) ، فحكمهم حكمهم ؛ إذ أخبر الله ـ عزوجل ـ أنهم منهم.
ومما يدل على ذلك ـ أيضا ـ قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «لا يختلجنّ فى صدرك
__________________
(١) في أ : عليهم.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٦ / ٦٩ ـ ٧٠) ، رقم (١٠٠٢٨) ، والبيهقي في السنن (٩ / ١٩٢ ، ٢٨٥) بنحوه ، والحسن بن محمد هو الحسن بن محمد بن على بن أبي طالب ، وأبوه محمد بن الحنفية. وقال البيهقي : هذا مرسل ، وإجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده ، ولا يصح ما روي عن حذيفة في نكاح مجوسية.
(٤) بنو تغلب بن وائل بن ربيعة بن نزار ، من صميم العرب ، انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية ، وكانوا قبيلة عظيمة لهم شوكة قوية ، واستمروا على ذلك حتى جاء الإسلام ، فصولحوا على مضاعفة الصدقة عليهم ؛ عوضا من الجزية. ينظر : أحكام أهل الذمة (١ / ٧٥ ـ ٧٦).
(٥) أخرجه الشافعي في المسند (٢ / رقم ٦١٤) ، وعبد الرزاق في المصنف (٦ / ٧٢) بأرقام (١٠٠٣٤ ـ ١٠٠٣٦) ، والطبري في التفسير (٩ / ٥٧٥) بأرقام (١١٢٣٠ ـ ١١٢٣٢) ، والبيهقي (٩ / ٢٨٤) من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : لا تأكلوا ذبائح نصارى بنى تغلب ؛ فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر. وقال الحافظ في الفتح (١١ / ٦٧) : أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة.
(٦) أخرجه الطبري (٤ / ٦١٨ ـ طبعة دار الكتب العلمية) ، رقم (١٢١٦٩) ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٥١٦) عن ابن عباس قال : «كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا من نسائهم ؛ فإن الله يقول في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ... الآية [المائدة : ٥١] ، ولو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم». وأخرجه عبد الرزاق (٦ / ٧٣) ، رقم (١٠٠٣٧) ، والبيهقي (٩ / ٢١٧) عنه مختصرا.