في المكان الذي يعدم ، وإن لم يكن سفرا ـ يجوز التيمم فيه ؛ وكذلك إذا خاف الضرر من الماء ـ جاز له التيمم ، [وإن لم يكن](١) مريضا ؛ لأنه ليس أباح ذلك للمريض باسم المرض ولا باسم السفر ؛ ولكن لمعنى فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) : قد ذكرنا فيما تقدم أن الملامسة : هي (٢) الجماع ؛ كذلك روي عن على (٣) وابن عباس (٤) ـ رضي الله عنهما ـ وقال ابن عباس : «الملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والغشيان كله جماع ، ولكن الله كريم يكنى» (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)
جعل الطهارة بالماء والتراب ؛ لأنه بهما معاش الخلق ، وبهما قوام الأبدان ، حتى جعل جميع أغذية الخلق وجل مصالحهم منهما ؛ فعلى ذلك جعل قيام هذه العبادات بهما ، والله أعلم.
ثم الحكمة في وجوب الطهارة وجهان :
أحدهما : ما ذكرنا : أن يذكرهم طهارة الباطن.
والثاني : تكفيرا لما ارتكبوا بهذه الجوارح من الإجرام ، أو شكرا لما أنعم عليهم من المنافع التي جعل لهم فيها من القبض والبسط ، والتناول والأخذ والمشي ، وغير ذلك مما يكثر.
ثم الحكمة في جعل الطهارة في أطراف البدن للتزين والتنظيف ؛ لأنه يقدم على الملك الجبار ، ويقوم بين يديه ويناجيه ، ومن أتى ملكا من ملوك الأرض يتكلف التنظيف والتزيين ، ثم يدخل عليه ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) : قال عبد الله بن مسعود وعمر ـ رضي الله
__________________
(١) في أ : يكون.
(٢) في الأصول : هو.
(٣) أخرجه الطبري (٨ / ٣٩٢ ـ طبعة دار المعارف بتحقيق محمود شاكر) ، رقم (٩٦٠٢) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٧).
(٤) أخرجه الطبري (٨ / ٣٨٩) رقم (٩٥٨٣) ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٧).
(٥) أخرجه عبد الرزاق في التفسير (١ / ١٨٤ ـ ١٨٥) ، وسعيد بن منصور (٤ / ١٢٦٢ ـ ١٢٦٣) ، رقم (٦٤٠) ، والطبري (٨ / ٣٨٩) برقمي (٩٥٨١ ، ٩٥٨٢) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٧).