هذا ـ والله أعلم ـ تعليم من الله ـ تعالى ـ هذه الأمة وإنباء منه أنه قد أخذ العهود والمواثيق على الأمم السالفة ، كما أخذ منكم ؛ لأنه ذكر أنه : قد أخذ من هؤلاء الميثاق بقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ ...) الآية ، ثم أعلمهم بما وعد لهم من الثواب إن وفوا بتلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم ، وبما أوعد لهم من العقاب إن نقضوا العهود التي أخذ عليهم ؛ ليكونوا على حذر من نقضها ، وليقيموا على وفائها.
أو أن يقال : إنه إنما ذكر ما أخذ على أولئك من العهود والمواثيق ؛ ليكون ذلك آية من آيات رسالة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه إخبار عن الأمم السالفة ، وهو لم يشهدها ولا حضرها ؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله.
ثم تحتمل تلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم : ما ذكر على أثرها وسياقها ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ ...) إلى آخر ما ذكر.
ويحتمل ما قال ابن عباس : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) في التوراة : ألّا تشركوا به شيئا ، وبالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وإحلال ما أحل الله ، وتحريم ما حرم الله ، وحسن مؤازرتهم (١).
(وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) ، يعني : ملكا ، وهم الذين بعثهم موسى إلى بيت المقدس ؛ ليعلموا له علمها.
ويحتمل : أن يكونوا اختاروا من بينهم أولئك ، فسألوا موسى أن يجعلهم عليهم قدوة يقتدون بهم ويعلمونهم الدين والأحكام ، ويأخذ عليهم المواثيق والعهود ؛ فيكون ما أخذ على أولئك من المواثيق والعهود عليهم ، والله أعلم.
ثم اختلف في النقيب : قال بعضهم : النقيب : هو الملك ، وهو قول ابن عباس (٢).
وقال أبو عوسجة : النقيب : هو المنظور إليه ، والمصدور عن رأيه ، وهو من وجوه القوم ، وجمعه : النقباء ، مثل العرفاء.
__________________
(١) أخرجه بنحوه الطبري (٤ / ٤٨١) ، رقم (١١٥٥٥) ، والطبراني في الكبير (١٢ / ٢٥٦) ، رقم (١٣٠٣١).
(٢) أخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله ـ عزوجل ـ : (اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)[المائدة : ١٢] ؛ قال : اثني عشر وزيرا ، وصاروا أنبياء بعد ذلك ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم ؛ أما سمعت قول الشاعر يقول :
وإني بحق قائل لسراتها |
|
مقالة نصح لا يضيع نقيبها |
ينظر : الدر المنثور (٢ / ٤٧٢).